هيام القصيفي – الاخبار
يتعاطى أركان الحكم في الملفات الداخلية، ولا سيما تأليف الحكومة، وكأنه لا وجود لانهيار اقتصادي واجتماعي. ينتظرون، كعادتهم، كلمة السر الخارجية والاستحقاقات الإقليمية والدولية، ولو استغرقت أشهراً
تعيد هذه الرواية، بعد 15 عاماً على حصولها، تأكيد مدى التجاذب الداخلي والخارجي منذ 17 تشرين الاول حتى اليوم، وصولاً الى مفاوضات تأليف الحكومة، والإحاطة الخارجية بكل ما يجري. لكنها تعكس، أيضاً، مستوى تراجع القوى السياسية الراهنة وعدم قيامها بأي مبادرة لحل – بالحد الأدنى – للأزمات المتشعبة، من مالية واقتصادية وأمنية وتبعات انفجار المرفأ، وتعثر تأليف الحكومة، منتظرة كلمة السر الخارجية لتبني على الشيء مقتضاه، ربطاً بكل الاستحقاقات الإقليمية والدولية.
فمنذ المرحلة التي سبقت الانتخابات الأميركية، كان الوسط السياسي اللبناني ينتظر ما ستسفر عنه من نتائج. بنى المراهنون على إعادة انتخاب الرئيس دونالد ترامب على أن إدارته الجديدة ستكون أكثر تشدّداً تجاه طهران والاتفاق النووي، على عكس المراهنين على إدارة جو بايدن، وهي التي يبدو حتى الآن أنها ستكون امتداداً لولاية الرئيس باراك أوباما، ستكون أكثر تساهلاً تجاه إيران وحزب الله في لبنان. بين الرهانين، تعثرت الاتصالات في شأن تأليف الحكومة، وأطاح الجميع مبادرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في موازاة تشدد الإدارة الأميركية تجاه أي حكومة تضم حزب الله، وفرضها عقوبات على رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل.
ورغم أن وجهة الانتخابات تحددت، فإن فترة الاتصالات لتأليف الحكومة، مُدّدت أيضاً، كي يحسم إعلان هوية الرئيس الجديد وتثبيت فوزه، ومن ثم انتظار تنصيبه ودخوله الى البيت الأبيض، ولاحقاً لاستكشاف مرحلة تثبيت نفسه رئيساً.
لكن سلسلة الانتظارات اللبنانية لن تنتهي عند حدود تداعيات الرئاسة الأميركية، وجلاء هوية الإدارة التي تحتاج إلى وقت لتركيز مواقعها الداخلية والخارجية، فيما لبنان سيكون مرة أخرى على موعد مع استحقاقات أخرى تضاف الى لائحة الانتظار. فالسنة المقبلة هي سنة الانتخابات الرئاسية السورية، المفترض إجراؤها بين 16 نيسان و16 أيار، وسنة الانتخابات الإيرانية المقررة في 18 حزيران المقبل، وما بينهما يمكن فتح مجال طويل من التكهنات. فمصير الانتخابات السورية لا يزال معلقاً لتبيان التجاذبات الأميركية الروسية وموقف إدارة بايدن منها، فيما لبنان مرتبط جوهرياً بمصير تطوراتها، وربطاً بالنازحين السوريين الموجودين على أراضيه ودورهم فيها. أما مصير الاتفاق النووي وتفاصيله المستجدة فيمكن أن تبقى معلقة أوروبياً وأميركياً مع إيران في انتظار انتخاب خلف للرئيس حسن روحاني، والى أي جناح ينتمي، ودلالات انتمائه، ولا سيما بعد نتائج الانتخابات التشريعية التي جرت في شباط الفائت. وهذا استحقاق أساسي في المنطقة، من بغداد الى دمشق وبيروت.
يتدافع الجميع الى رفع سقوف التحديات الداخلية وفتح الملفات والذهاب الى مواجهات سياسية من دون مواربة
ورغم أن هذه الانتظارات مكلفة وقتاً وتداعيات على لبنان، تتعاطى القوى السياسية معها على قاعدتين:
– الأولى تجميع أوراق العرقلة الداخلية الى الحد الأقصى. فليس بسيطاً، في أي مقياس، أن يتخلى الجميع عن تأليف حكومة في حفلة زجل حول الدستور والصلاحيات، في وقت يخيّم فيه شبح الجوع والتهديد برفع الدعم وانقطاع الكهرباء. ويتدافع الجميع الى رفع سقوف التحديات الداخلية وفتح الملفات والذهاب الى مواجهات سياسية من دون مواربة، فيما ينكشف حجم الفساد والأخطاء التي ترتكبها القوى السياسية أمام العواصم المعنية. وهذه القوى باتت مدركة، ليس فقط من جرّاء ما قاله الرئيس الفرنسي في قصر الصنوبر وقبله وبعده، بأنها باتت عرضة للانكشاف التام، عبر خطب سياسية وتغطيات إعلامية غربية وعربية يومية، وأنها مضطرة حيال أي تسوية مرتقبة بفعل تدخل خارجي، الى التراجع قليلاً الى الوراء وتقديم بعض التنازلات. وهذا لا يدفعها الى التنازل عن مواقعها، بل العكس، إذ تعمد الى «تكبير الحجر» ومضاعفة ملفاتها، كي تضحّي بعدد منها لاحقاً في سبيل الحفاظ على الحد الأدنى من مكتسباتها التي حصلت عليها طوال السنوات الماضية، ما يضمن بقاءها في السلطة بأي ثمن.
– القاعدة الثانية تكمن في اطمئنان هذه القوى الى وجود حاجة خارجية ما الى منع الانفجار التام، رغم أن كل عوامل الاصطدام الكبير موجودة وبكثرة، وأن هناك أفرقاء جاهزين لإشعال الفتيل. ومردّ هذه الثقة إلى أن تطمينات غربية قائمة على «عطف» تجاه مأساة اللبنانيين الاجتماعية، ولا سيما بعد انفجار المرفأ، تسهم في مدّ قوى السلطة بالأوكسجين، ولو طال انتظار البلد لتأليف حكومة، وبقاء حكومة تصريف الأعمال الى ما بعد انتهاء السنة الخامسة من ولاية العهد. وهذا ما يعطيها وقتاً إضافياً لتجميع أوراقها وصفوفها في مواجهة أي استحقاق داهم، محلياً وخارجياً.