غادة حلاوي – نداء الوطن
لم يبدّل التصعيد الإسرائيلي المتمادي حيال لبنان موقف «حزب الله» الذي يستبعد احتمال شنّ إسرائيل حرباً شاملة على لبنان. في تفسيره، فإنّ إسقاط المقاومة مسيّرة إسرائيلية بصاروخ أرض- جو أخرج إسرائيل من عقالها فاستهدفت مدينة بعلبك للمرة الأولى منذ بدء العدوان الإسرائيلي في أعقاب حرب غزة. وعلى ما تبيّن، فإنّ الطائرة التي أسقطت تحتوي على معلومات مهمة. لم يجنح الإسرائيلي نحو الحرب بعد، وتهديدات وزيرالحرب لا تحظى بموافقة الحكومة، وما تبلّغه «حزب الله» من الأميركيين بواسطة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي هو عدم السماح لإسرائيل بشنّ حرب واسعة النطاق على لبنان، وأنّ هدنة غزة ستسري حكماً على الجنوب.
وخلافاً للموقف الإسرائيلي، تؤكد المعلومات المتوافرة لدى «حزب الله» أنّ الهدنة التي سيتم التوصل إليها في شأن وقف الحرب على غزة ستشمل جبهة الجنوب بلا شك. ويعزّز الميدان الموقف اللبناني الرسمي حيال المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل التي تقودها فرنسا والولايات المتحدة، التي لها الدور الأبرز. يتحرك الفرنسي من موقع الباحث عن دور، لكنه غير موجود في المعادلة بعد. والجواب الرسمي على ورقته المتعلّقة بوقف الجبهة في الجنوب، سيعيد تحديد الثوابت والتأكيد عليها. أما ردّ «حزب الله» وموقفه فمختلفان حكماً.
الورقة التي رفض «حزب الله» تسلمها، سبق وفاتحه في شأنها الموفد الفرنسي الذي زار لبنان أخيراً، وتحدّث عن اقتراحات لوقف الحرب في الجنوب. وما ورد على لسان الموفد الفرنسي عزّز مخاوفه من البنود الواردة هي خلاصة المطالب الإسرائيلية. رفض «حزب الله» الورقة باعتبار أن لا حديث عن أي مفاوضات أو نقاش في شأن الجبهة الجنوبية ما لم يتم التوصل إلى قرار لوقف الحرب الإسرائيلية على غزة، وربط موقفه بوقف الحرب مع تحفظه عن مضمونها. رفضها «حزب الله»، لكن تسلّمها رئيس الحكومة ووزيرالخارجية عبدالله بو حبيب، وطلبا مهلة لمناقشتها قبل الردّ الرسمي. وباجتماع الأمس بين ميقاتي وبو حبيب اتفقا على الخطوط العريضة التي ستصاغ في مسوّدة لمناقشتها مع رئيس مجلس النواب نبيه بري قبيل الصياغة النهائية التي ستسلم إلى السفير الفرنسي في لبنان.
وليس مستبعداً أن يصب فحوى الردّ في سياق البنود التي سبق وضمّنها لبنان ورقة رسمية تقدّم بها وزير الخارجية إلى مندوبي الدول الأعضاء في الأمم المتحدة وحظيت بإجماع لبناني رسمي، ووافق عليها «حزب الله»، وتدور في فلك المطالبة بوقف الحرب على غزة كشرط أساسي للإستقرار في جنوب لبنان والانسحاب الإسرائيلي من المناطق التي لا تزال محتلة ومن النقطة B1 ووقف انتهاكاتها البرية والجوية.
قضية ثانية مثار متابعة رسمية وموضع استغراب في آن، وتتعلق بالإحتجاج الذي تقدمت به وزارة الخارجية السورية حول الأبراج الموجودة على الأراضي اللبنانية. تشكو سوريا من أنّ هذه الأبراج تعرّض أمنها للخطر، لأنّها تكشف أراضيها إلى عمق يزيد على عشرة كيلومترات. ليس لدى لبنان الرسمي أو حلفاء سوريا الأسباب التي دفعت بالخارجية السورية إلى إثارته راهناً. في القراءة السياسية يمكن الذهاب إلى أبعد من سوريا نحو احتمال ان يكون الموضوع مرتبطاً بمصالح غير سورية، إيرانية مثلاً أو روسية ونتيجة الإستهدافات الإسرائيلية في العمق السوري التي وقعت أخيراً.
خلال زيارته الأخيرة فاتح وزير الخارجية البريطاني رئيس حكومة لبنان في شأنها، وقال إنّ مثل هذه الأبراج يمكن أن تقام على الحدود اللبنانية مع إسرائيل بغرض ضبط الحدود ومراقبتها. لم يتطرق إلى التفاصيل، ولم يتعامل لبنان مع ما قاله الزائر البريطاني على أنّه طرح جدّي قابل للمناقشة أو الدرس. مرّ مرور الكرام من ناحية لبنان الذي فوجئ بالرسالة السورية. ويعمل الجيش اللبناني على صوغ الجواب الرسمي على الرسالة، نافياً أن تكون تلك الأبراج مزودة كاميرات تكشف العمق السوري ويشرح تفاصيلها من الناحية التقنية والغرض من إقامتها. وبناءً على ردّ قيادة الجيش سيناقش الموضوع رئيس الحكومة ووزير الخارجية لإبلاغ الجواب الى الجانب السوري والردّ عليه بالطرق الديبلوماسية ذاتها التي اعتمدها.