الراي الكويتية
لم يكن أكثر تعبيراً عن الأيام الأصعب التي تطرق بابَ لبنان من ارتسامِ معادلةِ «حتى حَبة الدواء لن نساعدكم بدعْمها من دون حكومةٍ وإصلاحات فورية» التي رفَعَها البنك الدولي بإزاء جس نبْض بيروت إمكان دخوله على خط «تصفيح» واقع الدواء في الطريق إلى رفْع الدعم «المنظّم» أو التلقائي حين تَنْفَذ بقايا الدولارات التي يوفّرها مصرف لبنان لاستيراد السلع الاستراتيجية بالسعر الرسمي (1515 ليرة).
وفيما كان رئيس لجنة الصحة البرلمانية النائب عاصم عراجي، يبلْور هذا المناخ عشية اجتماعٍ يُفترض أن يحدّد اليوم الخيارات التي ستُعتمد تحت سقف «ترشيد الدعم» مع تحذيره من أنه «إذا رُفع الدعم (بالكامل) عن الدواء ستحصل خلافات في الشارع»، وهو ما لاقاه فيه نقيب الصيادلة غسان الأمين بتأكيده «أن وقف الدعم ليس كارثة وطنية فحسب بل يعني أن المواطنين سيقتلون بعضهم البعض في الشوارع»، فإنّ هذا العنوان يشكّل عيّنةً من حال الاستعصاء التي تحكم الأزمةَ الشاملة في لبنان التي لا يمكن حلُّ شقّها المالي بمعزل عن «أصْلها» السياسي، بوجهه الداخلي وجوْهره الإقليمي.
وفي موازاة أسبوع كشْف اتجاهات الريح في ما خص الدولار المدعوم وإمكانات «إطالة عمر» آخِر مئات ملايين الدولارات الباقية منه، فإن الساعاتِ المقبلة تترقّب خطوةً من الرئيس المكلف تشكيل الحكومة الجديدة سعد الحريري في اتجاه رئيس الجمهورية ميشال عون بعد نحو 3 أسابيع من انقطاع اللقاءات بينهما مع استحكامِ الخلاف حول التشكيلة التي يريدها الحريري مفتاحاً لـ «خزانة» الدعم المالي الدولي للبنان المقفلة بـ «شيفرةٍ» لا تُفكّ إلا وفق خريطة طريق المبادرة الفرنسية الداعية لحكومة مَهمةٍ إصلاحية من اختصاصيين غير حزبيين وبعيداً من لعبة تَقاسُم «الكعكة» بين القوى السياسية. أما الائتلاف الحاكم (التيار الوطني الحر وحزب الله وحلفاؤهما) فيقارب هذا الملف من زواية دور «بلاد الأرز» كـ «خزانٍ استراتيجي» في المحور الإيراني ومشروعه الذي يخوض مكاسرةً شرسة مع «آخِر أيام» دونالد ترامب في البيت الأبيض، كما من منطلقِ رفْض أن تتفلّت التشكيلةُ من توازناتِ الانتخابات النيابية الأخيرة التي حقق فيها الحزب أول فوز بالأكثرية البرلمانية فاخرتْ به طهران وجاء بموجب قانونٍ خيضت معركة إدخال النسبية إليه بوصْفها «الجهاد الأكبر» وفق تعبير رئيس البرلمان نبيه بري.
وإذ يُنتظر أن يحمل الحريري معه إلى عون مسودة تشكيلة حكومية من 18 وزيراً كمدخلٍ لردّ تهمةِ «تنويم» الملف الحكومي وبَحْثه «بالمفرّق» مع رئيس الجمهورية على وقع محاولاتٍ تصاعدتْ في الأيام الأخيرة لحشْره في زوايا طائفية سواء عبر إشاعة أنه يريد تسمية غالبية الوزراء المسيحيين أو جرّه إلى انتفاضةٍ من موقع سني بوجه الأبعاد العميقة للسعي إلى تحويل «المجلس الأعلى للدفاع» الذي يترأسه رئيس الجمهورية ناظماً للسلطة التنفيذية، فإن أوساطاً واسعة الاطلاع تستبعد أي خرق وشيك في الملف الحكومي الذي يتحكّم به اعتباران: الأول عدم قدرة الرئيس المكلف على التراجع خلف الخطوط الحمر المرسومة دولياً لشكل الحكومة ودورها وإلا قَطَعَ لبنان آخِر خيوطٍ مازالت تربطه بالخارج الذي لا «طوق نجاة» من الانهيار المالي المدمّر من دونه.
والاعتبار الثاني إصرار الائتلاف الحاكم على حساباته السُلطوية والاستراتيجية وصولاً إلى اعتبارِ «تعليق» ورقة لبنان بانتظار تَسَلُّم جو بايدن مَقاليد الحُكم في الولايات المتحدة خطوةً ذات أهمية قصوى تحسّن وضعية التفاوض مع الإدارة الأميركية الجديدة وتجنّب التماهي مع آخِر «عصْفِ» فريق ترامب وشروطه المرتبطة بمجمل المواجهة مع إيران.
وفي حين بات مسلَّماً أن الواقع اللبناني صار محكوماً بعملية تدويلٍ بفعل الإحاطة الخارجية الواسعة التي يُنتظر أن تتكرّس أكثر اليوم مع تأكيد وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي دعْم المبادرة الفرنسية، كما نتيجة استحالة خروج «بلاد الأرز» من الهاوية المالية من دون «يد» الغرب والعرب، فإن عمليةَ «التمحْور» المقابلة التي يقودها «حزب الله» تشي باستقطابٍ أكثر حدة يصعب تحديد المدى الذي يمكن أن يبلغه على المستويات السياسية كما الأمنية التي ستتداخل تباعاً مع التداعيات الاجتماعية والمعيشية لرفْع الدعم أياً كانت أشكاله و«جرعاته».