مقال للكاتب والصحافي صفوح منجّد
مع بدء العد العكسي لنهاية العهد وإنضمامه إلى أقرانه من العهود البائدة التي عرفها هذا البلد الفاشل والمنهوب والمنهار بفعل “الداء العوني” المستعصي وبات بحاجة إلى أكثر من أي وقت مضى لإنعقاد مؤتمر وطني تأسيسي جديد، ربما بعد نهاية العهد الحالي، لإعادة تكوين وطن ديمقراطي باسرع وقت ممكن، ولملمة الجراح والأمراض والشوائب التي أورثها العهد أو سيورثها للطاقم السياسي، لا سمح الله، لإستكمال الإرتطام الكبير، سيما وأن المنطقة قادمة على تطورات على جانب كبير من الخطورة لم تشهدها منذ إزاحة الرئيس العراقي صدام حسين على يد الإميركان وكان بنتيجة ذلك تحقيق الطمأنينة والراحة لإيران الثورة آنذاك.
وهي نفسها أي أميركا التي سحبت القوات السورية من لبنان لإراحة إسرائيل ، وها هي تجهد في إيجاد المشاريع التي يمكن أن تحقق توغّل “حزب الله” في السياسة اللبنانية .
فمسألة إعادة اللاجئين السوريين إلى مناطقهم داخل الأراضي السورية باشرت بتحريكها المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، وكشفت المصادر إلى وجود حطة تقضي بنقل 300 ألف نازح سوري من لبنان إلى مناطق القصير والزبداني كدفعة أولى.
وطبعا أتت هذه المعلومات في وقت تصاعدت فيه شكاوى اللبنانيين من إقدام النازحين السوريين إلى تهريب المواد الغذائية والتموينية من لبنان إلى الداخل السوري عبر المعابر غير الشرعية سواء في الجنوب والبقاع الشمالي والشرقي وشمال لبنان، وهي معابر تزيد عن 250 معبرا، وأعمال التهريب هذه تشمل بصورة خاصة الطحين والمواد الغذائية المدعومة والمحروقات بكافة أصنافها.
وتشير مصادر المفوضية العليا لشؤون اللاجئين أن المخيمات التي أقامها النازحون وبصورة خاصة في البقاع الشمالي والجنوبي هي عبارة عن خيم من الخارج وجدران من الباطون من الداخل بما يؤشر إلى أن إقامتهم في لبنان طويلة وفي طريقها لإكتساب صفة البقاء الشرعي.
والملفت في آن، أنّ بعض القوى الرسمية تحاول التشهير ببعض القيادات بغية تجميد دورها ومنعها من أي تحرك قد يضر بمصلحة الثنائي الحاكم، ومن هنا مصدر هذا الغياب المتعمّد عن معالجة الأزمات المعيشية وقضايا الغلاء وسكوت الدولة عن تمادي كبار التجار في رفع الاسعار على الرغم من أنّ معظم هذه المواد التموينية والغذائية هي مدعومة ، وذلك بحجة أنّ محاربة الدولة بواسطة أجهزتها المعنية للغلاء الفاحش سيؤدي إلى فقدان هذه المواد وبالتالي إلى إرتفاع الاسعار بشكل غير مسبوق.
كل ذلك وكأن الدولة ليس بإمكانها ضبط الأسعار إلآ من خلال رفع الدعم، وليس بمعالجة الاسباب الحقيقية وهي التهريب والتخزين وهنا تكمن حقيقة مواقف الجهات الرسمية المعنية التي لا يهمها بأي شكل من الاشكال تخفيض الاسعار عن طريق وضع حد للإحتكارات والسرقات التي هي “شريك مضارب” في الأرباح، وأنّ المكافحة الحقيقية لهذا الوضع الذي يعاني منه عامة الناس تكون في مكافحة الأعمال اللصوصية عند الحدود وفي المجمعات الإقتصادية الكبرى حيث تُحدد الاسعار.
من جهة ثانية لا شك أننا نعيش بوهم إسمه لبنان وفي الحقيقة أنه مستنقع يضج بالسموم والأوبئة وفقدان أي مسؤولية إنسانية من قبل المسؤول تجاه الناس، ومخطىء من كان يعتقد أنّ الإنتخابات كان يمكن أن تحمل الحلول أو أنها زمن المباشرة أو بداية الدخول في مرحلة العلاج الحقيقي ! ونكذب إذا قلنا كذلك أنّ الفساد هو وحده المهيمن على البلد والعباد، هناك ما هو أعظم، هناك الخيانة للوطن، خيانة لنظامه الديمقراطي، وخيانة أحلام الناس وتطلعاتهم نحو غد ينقذهم من الجريمة الكبرى وإسمها تفتيت البلد.
وبصراحة ووضوح هناك تمزيق للقوانين السائدة وبالتحديد لكل بنود النظام الديمقراطي الذي قيل أننا نتمتّع ببنوده وبحيثياته التي وردت وتمّ الإتفاق عليها في إتفاق الطائف، لتكون الحل للخروج من الأجواء الساخنة التي عشنا فيها وكاد الوطن أن يتمزّق ويزول حينها، ولكن إتضح أنّه حتى هذا (الأمل ) هناك من يسعى ويجد في السير لإلغائه وتبديده ،هناك تفتيت لهذا النظام ولذاك الدستور الذي تمّ التوافق عليه في مؤتمر الطائف، ونحن ذاهبون نحو نظام تأسيسي جديد ( القوي يحمي نفسه) إنه نظام إلغائي بإمتياز هذا ما يحضّر له ويروّج له أحد أطراف الحكم ليغطي الفشل الذريع الذي مُني به هذا الطرف الرئاسي، وليبدد حالة الإستياء ف صفوف أعوانه وأعضائه عشية وخلال الإنتخابات النيابية الأخيرة.
هناك تحالف أبدي سرمدي أعلن عنه عشية الإنتخابات التي شهدتها الرئاسة الأولى والسؤال ماذا لو قامت بالأمس أو اليوم تحالفات بين طائفتين أو أكثر، هل سيقبل هذان الطرفان بهذا التحالف أم أنه سيتم إتهامهما بالعمالة والإرتهان إلى الخارج؟ .
هناك تورية ومخادعة وتعمية لحقيقة الأوضاع ولما يجري تحضيره عشية الإنتخابات الرئاسية القادمة والكل بات يعرفها بعد أن جمّد صاحب الثلاثية الذهبية المعروفة (الجيش والشعب والمقاومة) إثر قيامه بتنحية الجيش عن مهامه وإشغال الشعب بلقمة عيشه وبأزماته على كل صعيد، وها هو يسرح ويمرح دون حسيب أو رقيب أو أن يقول له أحد (ما أحلى الكحل في عينك) فيعقد الصفقات مع حماس ويحارب في اليمن وسوريا والعراق ويحاول إلهاء اللبنانيين ببعض “قطرات” الفيول الإيراني.
في الحقيقة هل يمكن أن نحلم بقيام حكم إنقاذي يخلّص البلد من أشراره هذا هو السؤال؟ .