عماد الشدياق – اساس ميديا
عند كلّ أزمة يعاني منها لبنان (وما أكثر الأزمات) تعود معزوفة “الدولار سيرتفع”. تلك “المعزوفة” تدور منذ يومين على مواقع التواصل الاجتماعي، فتنتشر كـ”النار في الهشيم”. إلّا أنّ الحقيقة بخلاف ذلك، فسعر صرف الدولار مستقرّ عند 89,500 ليرة لبنانية، من دون أيّ تغيير على الرغم من ضراوة الحرب الدائرة بين الحزب وإسرائيل، التي توسّعت في الأسبوعين الماضيين لتطال ضواحي العاصمة بيروت والبقاع ومناطق جديدة في الجنوب، وقرى في الشوف وكسروان.
كثيرة هي القرائن التي تؤكّد، بالمنطق والعلم والواقع، أنّ سعر صرف الدولار لم يتحرّك ولا يبدو أنّه سيتحرّك، بل سيبقى مستقرّاً على الرغم من التهويل والشائعات، وذلك للأسباب أدناه:
1- انخفاض كتلة الليرة: كان حجم الكتلة النقدية بالليرات اللبنانية على مدى السنوات الأربعة الفائتة (سنوات الأزمة) المعيار الأكثر دقّة من أجل معرفة توجّهات سعر صرف الدولار. تشير أرقام مصرف لبنان الصادرة أخيراً إلى أنّ الكتلة قد انخفضت بنحو 3 تريليونات ليرة لبنانية إثر تراجعها في النصف الثاني من شهر أيلول، وذلك من 57.3 تريليون ليرة لبنانيّة إلى نحو 53.5 تريليون ليرة لبنانيّة، أي بانخفاض 3.8 تريليونات ليرة في غضون أسبوعين فقط، وهذا مؤشّر إلى أنّه لا إمكانية لزعزعة سعر الصرف ما دام منحى الكتلة النقدية بالليرة آيلاً صوب الانخفاض.
عند كلّ أزمة يعاني منها لبنان (وما أكثر الأزمات) تعود معزوفة “الدولار سيرتفع”
2- ضخّ الدّولارات: قبل نحو أسبوع أو أكثر بقليل، ضخّ مصرف لبنان في عروق الاقتصاد اللبناني قرابة 330 مليون دولار على شكل 3 أضعاف المبلغ الشهري المحدّد للتعميمين 158 و166، إلى جانب رواتب موظّفي القطاع العام. هذا الرقم يعزّز من وجود الدولارات في السوق، خصوصاً إذا تقاطع هذا المعطى مع خفض حجم الليرات في السوق (النقطة أعلاه).
3- انكفاء الدولة عن الصرف: كما هو معلوم فإنّ الحكومة منكفئة في هذه الفترة عن الصرف، وذلك نتيجة السياسة النقدية التي تلتزم بها بالتنسيق مع مصرف لبنان، ونتيجة الحرب التي أدّت إلى تعطيل جميع المشاريع والنفقات الروتينية “إلى حين”. وهذا بدوره يُترجم بتراجع ضخّ الليرات من جيوب الحكومة إلى السوق. إضافة إلى التزام حاكم مصرف لبنان وسيم منصوري بالعهد الذي قطعه على نفسه منذ وصوله إلى الحاكميّة في نهاية شهر تموز 2023، والذي يقضي بعدم تديين الحكومة الأموال.
4- زيادة احتياطات مصرف لبنان: نهاية شهر أيلول، كانت احتياطات مصرف لبنان بالعملة الصعبة قد وصلت إلى قرابة 10.85 مليارات دولار، مقارنة بنحو 10.79 مليارات دولار في منتصف الشهر نفسه. بمعنى آخر، فإنّ المصرف المركزي قد زاد احتياطاته بنحو 60 مليون دولار في غضون أسبوعين. استطاع “المركزي” أن يرفع تلك الاحتياطات بنحو 2 مليار دولار منذ نهاية ولاية الحاكم السابق رياض سلامة وتسلّم نائبه الأوّل وسيم منصوري في تمّوز 2023.
وعليه، يملك مصرف لبنان فائضاً من الدولارات يبلغ أكثر من 2 مليار دولار تمكّنه من التحرّك لسنة كاملة وأكثر، بدليل توسيع مروحة المستفيدين من التعميمين 158 و166 لشهر تشرين الأول، ورفع المزيد من القيود أمام الخاضعين للتعميم الأخير من أجل الاستفادة من الـ150 دولاراً أميركياً شهرياً… وهذه إشارات إلى حجم ارتياح مصرف لبنان، وإلى صعوبة تحرّك سعر صرف الدولار من خارج إرادته.
قبل نحو أسبوع أو أكثر بقليل، ضخّ مصرف لبنان في عروق الاقتصاد اللبناني قرابة 330 مليون دولار على شكل 3 أضعاف المبلغ الشهري المحدّد للتعميمين 158 و166
من المستفيد؟
تشير المعلومات إلى أنّ هذه الشائعات لم تأتِ من عبث أو سراب، وإنّما ثمّة جهات مجهولة/معلومة هي من تحرّكها بين الحين والآخر، فيتلقّفها العوامّ ويبدأون بتداولها عن غير قصد ومعرفة على شبكات التواصل الاجتماعي من دون التدقيق بصحّتها.
تؤكّد المعلومات أنّ ثمّة جهات تقف خلف تطبيقين كانا ينشطان إبّان الأزمة، واستطاع هؤلاء المشغّلون الاستثمار بخوف الناس من أجل اللعب بسعر صرف الدولار إبّان تلك المرحلة. لكنّ أوساط مصرف لبنان أكّدت لـ”أساس” أنّ هؤلاء جرى تعقّبهم في الأيام الفائتة وتكفّلت الأجهزة الأمنيّة بتوقيفهم، وهم من جماعة المضاربين الذين استفادوا على مدى السنوات الفائتة على ظهر مخاوف الناس.
أكّدت المصادر نفسها أنّ هؤلاء حاولوا اللعب على هذا الوتر في أكثر من أزمة أمنيّة وسياسية، مثل أحداث الكحّالة، والمشاكل في مخيّم عين الحلوة، وبعد انطلاقة “طوفان الأقصى” العام الماضي، وأخيراً الحرب الدائرة في الجنوب والضاحية والبقاع، من دون أن تثمر أو تستطيع زعزعة استقرار سعر صرف الدولار الذي يرسيه مصرف لبنان منذ أكثر من سنة إلى اليوم… فلا تنصتوا ولا تتأثّروا بهذه الشائعات: الدولار مستقرّ، واستقراره متواصل.