
يرغب الأطفال في اللعبة ويودّون أن تصبح لديهم في المنزل. يشتري أهاليهم اللعبة، يلعبون بها بضعة أيام، إن لم يكن ليوم واحد، ثم ينسونها، ويبقى المستفيد الأول والأخير الشركات التجارية والتسويقية.
لماذا يتوق الأطفال إلى شراء الألعاب ولا يلعبون بها بقدر ما يلحّون على شرائها؟
عندما يكون عيد ميلاد ابنة أختي، أسالها ماذا تحب ابنتك من ألعاب لأشتري لها، يكون جوابها كالتالي: “غرفة ابنتي مليئة بالألعاب من كل نوع، لديها أعداد لا أعرف أين عليّ الذهاب بها، وقد حوّلت غرفة نومها إلى غرفة ألعاب”.الكلام نفسه يتردّد على لسان زوجة أخي. فكلّما أردت أن أشتري لعبة لطفلها من عائلة سبايدر مان ونحن خارجون، أسألها هل لديه هذه اللعبة؟ تقول نعم. وأبدأ بتعداد الألعاب التي أراها أمامي وتقول لي لديه منها جميعاً. لا أعرف لماذا يحب الأطفال أن يكنزوا الألعاب وهم نادراً ما يلعبون بها، ويصبح الأهالي بحاجة إلى مستوعبات للتوضيب أو حتى غرف كاملة مخصصة لها للتعامل مع فائض الألعاب.
فيما يهدي الأهالي لأطفالهم الألعاب في جميع المناسبات تعبيراً عن حبّهم لهم، ترى الصحافية العلمية مايكلين دوكليف في كتابها “الصيد، والجمع، والتربية: ما يمكن أن تُعلِّمنا إيّاه الثقافات القديمة عن فن تربية أطفال سعداء ومتعاونين” أن ذلك “يرجع جزئياً إلى علم النفس الحديث، الذي يؤكد أهمية اللعب في نموّ الطفل، ومن خلال خلطنا بين كلمة “لعب” و”ألعاب”.
وتلاحظ دوكليف تشابهاً واحداً بين الأطفال من مختلف الثقافات، فهم في كل مكان، وعلى مر العصور، يصنعون نسخ لعب من أدوات الكبار. أحد المشاهد التي لفتت انتباهها كان في القطب الشمالي، حيث شاهدت مجموعة من الأولاد الصغار يعثرون على صندوق من الورق المقوّى ويتظاهرون بأنه حوت يصطادونه بالرمح، وهذه اللعبة استمرت لساعات.
لكنّ هناك عاملاً آخر يؤثر في هذا الإطار، وهو العامل التجاري التسويقي. فوفقاً لجمعية الألعاب في الولايات المتحدة الأميركية، بلغت مبيعات الألعاب بالتجزئة 28 مليار دولار في عام 2023، بزيادة قدرها 26 في المئة عن عام 2019. وهي تمثل 27.5 في المئة من سوق الألعاب العالمي.
الألعاب ليست ترفاً بل ضرورة!
المتخصّص في العلاج النفسي للأطفال الدكتور أنطوان شرتوني يشرح لـ”النهار” أنّ اللعبة تشكّل حاجة نفسية للطفل، لذلك يلجأ إليها. فالأولاد نادراً ما يلعبون بالألعاب التي يتوقون إلى شرائها لأنّهم يتأثرون كثيراً بمظهرها الخارجي كألوانها، أصواتها، شكلها، وحركتها. وعادةً توضع الألعاب على مستوى نظرهم في المحالّ التجارية ويطلبون شراءها، حتى إن كان لديهم مثلها في المنزل. بعد شرائه هذه اللعبة، يصل الطفل إلى المنزل ليكتشف أنّها لا تلبّي حاجته، فيتركها، فهو قد سدّ حاجته بلعبته التي اشتراها سابقاً.
أطفال كثيرون يتركون ألعابهم ويختارون أغراضاً لدى أهاليهم ليلعبوا بها ويحوّلوها إلى ألعاب لهم، إذ يجدون في هذه الأغراض جاذباً ما ويستعملون خيالهم للعب بها لأنّها تسدّ حاجة الخيال لديهم، بحسب شرتوني.
ويؤكد شرتوني أنّه يجب أن يكون دائماً هناك سبب أمام الطفل لكي يشتري الأهل اللعبة له، إذ لا يمكن شراء الألعاب للطفل دائماً وعندما يطلبها، باستثناء المناسبات، كعيد ميلاده أو مكافأة له لحصوله على درجات عالية في المدرسة بعد وعد قطعه الأهل له. والأفضل من ذلك أيضاً، عندما يرغب الطفل في شراء لعبة معيّنة، أن يشارك في تسديد ثمنها من خلال ادخار المال للتمكّن من شرائها، وبالتالي، معرفة قيمتها واللعب بها لأطول وقت ممكن.
كذلك، وبحسب شرتوني، اختيار اللعبة للطفل يجب أن يراعي اهتمامه وعمره وحاجته باختلاف جنسه، وهذه الألعاب تنمّي خياله، ويمكنه هو أيضاً اختيار لعبته. فاللعبة بالنسبة إلى الطفل هي كل شيء وأساس تنميته وتطوّره. من دونها، لا يمكنه أن يتكلم أو يعبّر أو يطوّر خياله، وحتى إنّها تساعد في تخفيف الصدمات لدى الأطفال الذين يعانون من هذه المشاكل، فهم يعبّرون من خلال اللعبة عن قلقهم. لذا، فإنّ كل أنواع الألعاب، سواء المسلية منها أو التثقيفية أو غيرها، كلّها مفيدة للطفل، فهناك ألعاب تطوّر مخيلته، وأخرى تنمّي ذكاءه وتطوّر معرفته.
ألعاب أقلّ سعادة أكثر!
عندما يتعلق الأمر بالألعاب، من حيث التطوير والإبداع، فإن الأقل أفضل من الكثير. فوفقاً لدراسة بعنوان “تأثير عدد الألعاب في البيئة على لعب الأطفال الصغار”، تضعف كثرة الألعاب جودة لعب الأطفال الصغار. ويمكن أن تؤدي قلة الألعاب إلى تركيز الطفل الصغير وانخراطه في لعب أكثر إبداعاً وخيالاً. واتضح أن قلة الألعاب تؤدي إلى لعب أكثر صحة، وفي النهاية، إلى نموّ إدراكي أعمق. ويتمتع الأطفال بجودة لعب أعلى في مجموعة ألعاب أقل مقارنةً بمجموعة ألعاب أكبر. وعندما يُعطى الأطفال بضع ألعاب، يلعبون بها بطرق أكثر تنوّعاً ولفترات زمنية أطول.
الذكريات أغلى من الهدايا!
إن كنت تُبالغ في الإنفاق أو تُنفق أكثر مما ترغب فيه على هدايا الأطفال، فقد يكون من المفيد التوقف والسؤال: “هل يحتاج طفلك حقاً إلى هذه الهدية؟ هل سيثري ذلك وقت لعبه؟ أم سيستخدمها فقط لمدة أسبوع أو أسبوعين ثم يتجاهلها؟ وعندما يتعلق الأمر بإسعاد أطفالك، فكّر في ابتكار طقوس وتقاليد تُعزز الروابط بينهم ليستعيدوا ذكرياتهم ويعتزّوا بها بدلاً من التوجه تلقائياً إلى المتجر لشراء لعبة جديدة. حدّد موعداً شهرياً أو أسبوعياً لمشاهدة فيلم أو أمسية ألعاب، أو حضّروا كعكاً، أو اجعلوا من تحضير وجبة نهاية الأسبوع معاً طقساً. وعلى الآباء الاستثمار في النشاطات بدلاً من السلع المادية.