نجحت بلدة كرخا الجزينية في عبورها الأول بابَ العالمية من خلال فيلم وثائقي درامي حمل عنوان «كرخا قرية من لبنان – أبطال الدار» وحاز أخيراً جائزة Cannes World Film Festival العريقة. وبتوقيع المخرج ناصيف الريّس وقلم جولي بو شقرا، تحوّلت كرخا إلى ساحة لأحداث الفيلم الذي يروي قصتها مع الهجرة والعودة إلى الجذور، حتى أنّ أهاليها نجحوا في لعب بطولة العمل كما أدواره الثانوية. وفي حديث لـ»نداء الوطن»، شرح الريّس رحلة الوثائقي بين زوايا القرية وفي عيون أبنائها مهدياً الفوز العالمي هذا لكل من ساهم في إتمام «كرخا».
ما قصة الفيلم ومن هم أبطاله؟
أبطال الفيلم هم أهالي ضيعة كرخا الجزينيّة الجنوبية، الذين يعيشون فيها ولم يخوضوا تجربة التمثيل والوقوف أمام عدسة الكاميرا من قبل. كل ذلك جعل التصوير تجربةً فريدةً لا تُنسى. ويحكي «كرخا» قضية الهجرة من ناحيتها الإيجابية، متناولاً موجاتها التي مرّت على لبنان منذ حوالي 150 سنة أي منذ الاحتلال العثماني حتى يومنا الحاضر، وكيف أثّرت على الشعب اللبناني. كذلك، نرى في الفيلم قصة صمود تجلّت في أهالي هذه المنطقة الذين حافظوا على تاريخ وتراث يجب تسليط الضوء عليهما. وبخلاف الصور التقليدية السلبيّة التي نراها في وسائل الإعلام العالميّة والأفلام السينمائيّة، يتناول هذا الفيلم الجوانب الإيجابيّة في مجتمعنا وقدرته على التحدّي والصمود في كلّ أشكاله عبر الأجيال. باختصار، «كرخا» رسالة لكل مهاجر ومغترب كي يعود يوماً ما الى موطنه مع خيرات يزرعها، فتُنبت ثماراً تنمويّة واقتصاديّة.
هل كنتم تتوقّعون الفوز بجائزة «كان»؟
منذ البداية، كنت وفريق العمل على يقين بأنّ الفكرة المميزة التي بنَينا عليها الفيلم ستوصلنا إلى مكانٍ ما، وتوقّعنا حصد الجوائز. وها نحن بدأنا بلمس النتائج بعدما انتظرنا على أحرّ من الجمر ورود اسم «كرخا» على لائحة فائزي «كان» العريق.
ولطالما كان هدفنا من هذا العمل إيصاله إلى أكبر عدد من المغتربين اللبنانيين حول العالم، لهذا نحاول قدر الإمكان الوصول الى المهرجانات العالمية. والحمدالله سنقوم باستلام جائزتنا الأولى هذه في فرنسا مطلع العام المقبل.
هل الفيلم مرشّح حالياً لجوائز أخرى؟
نعم، ينتظر «كرخا» النتائج النهائية من 7 مهرجانات بين أميركا وأوروبا وأستراليا. ونترقّب بفارغ الصبر الإعلان عنها تباعاً بين كانون الثاني وحزيران 2024.
كيف كانت الأصداء بعد الفوز في «كان»؟
لحظة إعلان فوز فيلمنا بجائزة «كان» العالمية كانت من أجمل اللحظات، ولا سيّما بعدما ضجّت وسائل التواصل بالتعليقات والرسائل التي أظهرت محبة وتشجيع الكثيرين من حولنا، ما أعطانا دفعة إلى الأمام وجعلنا نشعر كأنّنا أُوفينا التعب الذي مررنا به كل فترة التصوير. كما كان الخبر بمثابة زفة منتظرة يحتفل بها أهالي كرخا بما أنجزوه عن ضيعتهم.
أين تمّ التصوير وكم تطلّب من الوقت وهل واجهتم أي عراقيل؟
التصوير تمّ في ضيعة كرخا، وفي ضواحيها كبيروت وصيدا وغيرهما. وقد تمكّنا من إنجاز العمل خلال 30 يوماً مقسّمة على سنتَين من المراحل المتقطّعة ويعود السبب إلى حاجتنا لاختبار طبيعة المنطقة في الفصول الأربعة. ولعلّ أصعب ما واجهناه هو افتقار الممثلين إلى الخبرة اللازمة حيث أدّت هيبة الكاميرا دورها في تردُّد البعض وتوتّرهم فازداد عبء التصوير وتطلّب المزيد من الوقت. كذلك، لم تسلم تصويراتنا من التعطيل الذي سبّبته جائحة «كورونا» وانفجار «4 آب». وبعدما انطلق التصوير أواخر العام 2020، تمكّنا من إنجاز الفيلم بالكامل هذا العام.
ما الذي جعل «كرخا» يفوز بهذه الجائزة برأيك؟
كان أهالي كرخا من دون استثناء القلب النابض للوثائقي وشهدنا منهم تعاوناً وحماساً لم نتوقّعهما أبداً، ما مكّننا بالإضافة إلى فريق العمل الرائع، ودعم وثقة ابن كرخا المغترب ورجل الأعمال شارلي حنا الذي وضع كل طاقاته وثقته في هذا العمل التاريخي الذي تراهن عليه ضيعته كرسالة مستقبلية تتركها لأجيالها المقبلة، كما والسيناريو الرائع من توقيع جولي أبو شقرا رئيسة جمعية Public Matters وصاحبة فكرة الفيلم، من الوصول إلى العالمية حاصدين جائزة بمكانة «كان».
إذا عاد بك الزمن هل تغيّر شيئاً في تصوير وإنتاج هذا الوثائقي؟
أبداً، لا يوجد تفصيل واحد حتى يمكن أن أغيّره. فهذا الوثائقي أُنتج بطريقة خاصة وعفوية لم أشهد لها مثيلاً، خصوصاً أنّ أبطاله لم يظهروا على الشاشة الكبيرة من قبل. فرأينا طاقات ومواهب وحباً بكميات هائلة لا بل صادمة. كان التصوير طبيعياً خفيفاً جعلنا نتشوّق للمشهد المقبل، حتى أنّ حبكة القصة تمّت بسلاسة.
كم فيلماً في رصيدك اليوم؟
قطعت حتى اليوم 15 سنة من العمل ما بين البرامج والإعلانات والعروض الموسيقية والفيديو كليب والسينما، من لبنان ودبي وأوروبا، وبات في رصيدي أكثر من 50 عملاً ما بين أفلام قصيرة وفيديوات بالإضافة إلى 3 أفلام طويلة وثائقية، فيما يشكّل «كرخا» خطوتي الأولى في عالم المهرجانات العالمية.
ما رأيك بالسينما اللبنانية بالإجمال؟
لن أكون دبلوماسياً في إجابتي هذه. فالسينما في لبنان كأي قطاع آخر، تحتكره 3 أو 4 جهات وشركات إنتاج تدير الدفة كما يحلو لها، ولها طاقمها الخاص من كتّاب وممثلين ومخرجين. مع العلم أنّ لبنان يحتوي على طاقات سينمائية إذا نظّمت تحت سقفٍ يليق بها، يمكنها أن تجعل من هذا القطاع مصدر أرباح اقتصادية كبيرة للوطن.
ولا يمكنني إنكار المستوى الراقي والمحترف الذي أراه أخيراً في الأعمال المنتَجة، مع العلم أنّ الأخيرة تنحرف عن هدف إيصال رسالة ما للمُشاهد وتتحوّل إلى منصة إعلانات وترويج.
هل يأخذ المخرج حقّه في بلدنا؟
كأنما كُتب على كل مخرج يقرّر البقاء في لبنان أن يمرّ في رحلة طويلة ومتعبة في بداية مشواره الفني. فعلى الرغم من المواضيع والأماكن والشخصيات الكثيرة التي أعطانا إياها هذا البلد والتي يمكن أن تشكّل مواضيع سينمائية مربحة واستثنائية، إلا أنّ الوضع الحالي والمصلحة الشخصية التي تطغى على كل المجالات تصعّب أي انطلاقة في الحلم.
ما جديد ناصيف الريّس؟
أضع حالياً اللمسات الأخيرة على الحلقة الثانية من مسلسل «أبطال من الدار» الذي ينطلق قريباً. كما نعمل على تنظيم أوقات وتواريخ وأماكن عرض «كرخا» في لبنان ليشاهده الجميع من الجنوب إلى الشمال.