جاء في “المركزية”:
في 13 الجاري اعلنت رابطة موظفي الإدارة العامة الإضراب المفتوح لحين تحقيق مطالبها وأوّلها تصحيح الأجور وبدلات النقل والتقديمات الصحية والتعليمية. ولا يزال القرار سارياً حتى تاريخه في مختلف الإدارات، باستثناء مديرية الصرفيات في وزارة المال إذ عاود موظفوها العمل اليوم لإنجاز الرواتب العائدة لشهر تموز والمساعدة الاجتماعية عن شهري آذار ونيسان.
توقف العمل في الإدارات العامة، رغم أحقيته، انعكس سلباً على مختلف القطاعات ومعه على الحركة الاقتصادية، إذ عطل آلاف المعاملات وأعمال المؤسّسات والشركات والأفراد. فبعض البضائع عالقة في الجمارك لا يمكن إدخالها، العديد من المعاملات لا تنجز للمواطنين والتجار، الدوائر العقارية متوقفة كذلك التسجيل، أيضاً المعاينة الميكانية، المعاملات العقارية، وحتّى أبواب التصدير مقفلة… بالتالي البلد مشلول، القطاع الخاص أصبح ضحية وما تبقى من إيرادات إلى الخزينة متوقف، والأخطر أن الإضراب بدأ يهدد الأمن الغذائي المهترئ أساساً، إذ إن استيراد الطحين غير ممكن في حين أن البلد يعاني أزمة خبز. إلى ذلك حذّرت لجنة الأمن الغذائي في الهيئات الاقتصادية من تداعيات الإضراب “نتيجة توقف إخراج مئات المستوعبات الملأى بالمواد الغذائية والمواد الأولية المستوردة لصالح المصانع الغذائية في لبنان، والمكدسة في باحات مرفأ بيروت نتيجة عدم إنجاز معاملاتها في الوزارات المعنية”، كذلك وجهت نقابة مستوردي المواد الغذائية برئاسة هاني بحصلي نداءً ناشدت فيه “المسؤولين المعنيين اتخاذ الإجراءات اللازمة والكفيلة بإخراج حاويات المواد الغذائية المستوردة والمكدّسة في باحات المرفأ”. وكان بحصلي أكّد في حديث صحافي أن “عدم إنجاز معاملات البضائع في المرفأ يكبّد التجار مصاريف إضافية عبارة عن بدل رسوم أرضيات يومي للكونتينرات تتراوح ما بين 50 و200 دولار، عدا أن بعض البضائع معرض للتلف”.
وعن النتائج الاقتصادية بالأرقام، يوضح الباحث في “الدولية للمعلومات” محمد شمس الدين لـ”المركزية” أن “الخسائر تقدّر بـ 12 مليار ليرة لبنانية يومياً نتيجة توقف الحركة الاقتصادية وتراجع الإيرادات التي لن تتمكن الدولة من تحصيل بعضها. كلّما طالت فترة الإضراب زادت انعكاساته السلبية على مجمل الوضع”، لافتاً إلى أن “هذه الأضرار الأكيدة لإضراب حوالي 300 ألف موظف، أما الأضرار الأكبر فلا يمكن لأحد تقديرها”.
غبريل: من جهته، يرى رئيس قسم الأبحاث الاقتصادية والمالية في بنك “بيبلوس” الدكتور نسيب غبريل عبر “المركزية” أن “هذه الحالة ليست بجديدة، فمنذ أكثر من سنة قرر موظفو الإدارة العامة المداومة مرة أسبوعياً، أي أن المعاملات كانت أساساً مؤجلة ومتأخرة. هذا الإضراب الكامل يزيد من العرقلة في مختلف القطاعات ويطيل فترات تأخير المعاملات الإدارية التي تُعدّ مصدر دخل لخزينة الدولة، بالتالي ستتأثر الإيرادات ما يؤخر من قدرات السلطة التنفيذية على تلبية مطالب موظفي الإدارة العامة والقطاع العام، مع العلم أنها محقة وتحسين قدراتهم الشرائية ملحّ”.
وعن الحلول الممكنة يشرح أن “حجة عدم كفاية الموارد لتلبية مطالب الموظفين غير دقيقة، ويمكن تحقيقها بعيداً من زيادة الضرائب والرسوم”، مستذكراً “ما نتج عن قانون الضرائب عام 2017 إذ لم تزدد إيرادات الخزينة نسبةً إلى الناتج المحلّي وكانت توازي آنذاك 15% من الناتج المحلي، أما بعد إقرار القانون العشوائي وبدء تطبيقه أوائل 2018 فظلت نسبة الإيرادات على حالها”.
ويشير غبريل إلى أن “زيادة طبع الليرة ليست الحلّ، خيارات كثيرة متوافرة في السياق، إلا أن الحكومات المتعاقبة والسلطة السياسة أهملت العديد من الإجراءات ومصادر الإيرادات منذ ما قبل الأزمة وهي أيضاً احد أسبابها، حيث أدت إلى اتساع العجز في الموازنة، ومن هذه الإجراءات مكافحة التهرب الضريبي، تفعيل الجباية، وقف التهرب الجمركي، مكافحة التهريب غير الشرعي على الحدود… الاستحصال على الإيرادات الفورية بسيط جدّاً، ويمكن أن يتم أيضاً عبر فرض ضريبة نسبتها 60% على أرباح كل من خزّن واحتكر وهرّب المواد والسلع المدعومة سابقاً، لأن المواطن لم يستفد من الدعم بل هذه الجهات التي حققت أرباحاً طائلة خلال فترات قصيرة جدّاً…”.
ويتابع “على الموظفين المنتجين في القطاع العام رفع مطلب أساسي وهو معالجة الوظائف الوهمية كأحد الحلول الضرورية، وهنا لا نتحدّث عن فائض الموظفين بل الوظائف الوهمية المقدّرة بالآلاف والتي على السلطات إلغاؤها، بالتالي عوض هدر الأموال عليها تحوّل لدعم الموظفين المنتجين”، خاتماً “هذه الإجراءات والحلول كلّها ممكنة لكنها تتطلب إرادة سياسية لتنفيذها”.