منذ ما قبل الإستشارات النيابية الملزمة لتسمية رئيس الحكومة المكلّف، التي قادت إلى تكليف رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بالمهمة، كان من الواضح أن الرجل لا يريد الدخول في لعبة الشروط المسبقة، خصوصاً أنه يدرك جيداً التداعيات التي من الممكن أن تتركها، نظراً إلى أن هذه الحكومة، في حال ولادتها، ستكون الأخيرة في ولاية رئيس الجمهورية ميشال عون، وبالتالي ليس من السهل توقع أن تكون مفاوضات تشكيلها سهلة.
هذا الواقع، تم التأكيد عليه من خلال المواقف التي أطلقت في الأيام الماضية، لا سيما من جانب رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل، التي كانت بمثابة هجوم متكرّر على رئيس الحكومة المكلف، الأمر الذي أوحى بإستحالة الوصول إلى تفاهم معه، إلا إذا ذهب ميقاتي إلى تقديم تنازلات، قد لا يكون في واردها، بسبب النتائج التي ستتركها على صورته أمام الرأي العام اللبناني بشكل عام، وداخل بيئته المذهبية بشكل خاص.
إنطلاقاً من ذلك، ترى مصادر سياسية مطلعة، عبر “النشرة”، أن رئيس الحكومة المكلف كان يفضل أن يكون في موقع تفاوضي أفضل، سواء كان ذلك عبر التكليف بعدد أكبر من الأصوات أو من خلال مواقف القوى والشخصيّات التي هي في الموقع المعارض، نظراً إلى أن هذا الأمر من الممكن أن يسهل عليه المهمة الصعبة، بحيث بات أقصى ما يطمح إليه، بحسب المتداول، هو إدخال تعديلات على تركيبة حكومة تصريف الأعمال.
بالنسبة إلى المصادر نفسها، لن يكون أمام ميقاتي، بحال أراد تشكيل حكومة جديدة، إلا الذهاب إلى تفاهم مع رئيس “التيار الوطني الحر”، نظراً إلى أنه بحاجة تأييده في إستحقاقين أساسيين: الأول هو توقيع رئيس الجمهورية ميشال عون على مراسيم تشكيلها، الأمر الذي لا يمكن أن يحصل من دون موافقة باسيل، أما الثاني فهو تأمين نيلها الثقة في المجلس النيابي، نظراً إلى أن عدد الأصوات الذي في جعبته اليوم لا يؤمن ذلك، خصوصاً أن تسميته تمت بـ54 نائباً فقط.
في هذا الإطار، قد يكون من المنطقي الحديث عن أن ميقاتي، بالنسبة إلى الإستحقاق الثاني، كان يستطيع الرهان على جذب المزيد من الأصوات المؤيدة له في صفوف المعارضة، لكن من الناحية العملية هذه القوى أعلنت مواقفها بشكل واضح، قبل الوصول إلى مرحلة الإستشارات النيابية غير الملزمة، حيث كانت مجمعة على رفض المشاركة في الحكومة.
بناء على ذلك، تعتبر المصادر السياسية المطلعة أن مواقف كل من حزب “القوات اللبنانية” و”الحزب التقدمي الإشتراكي” و”النواب التغييريين” تصب في صالح رئيس “التيار الوطني الحر”، من خلال تعزيز موقعه التفاوضي مع رئيس الحكومة المكلف، لا سيما أن الأخير سيكون مضطراً إلى مراعاة مطالب باسيل الّتي سيطرحها في الأيام المقبلة، مستنداً إلى معادلة تقوم على أساس أن تأليف الحكومة ونيلها الثقة بيده، بعد أن بادر الآخرون إلى الإنسحاب من المعركة.
وفي حين تشير المصادر نفسها إلى أن مشاركة “الإشتراكي” شبه محسومة، في حال الوصول إلى التأليف، بسبب إمساكه بالورقة الميثاقية الدرزية، تلفت إلى أن ما يجب التوقف عنده بشكل جدي هو موقف كل من حزب “القوات اللبنانية” و”النواب التغييريين”، نظراً إلى أن مشاركة “القوات” في الحكومة ستكون من الحصة المسيحية، التي من المفترض أن يتمسك بغالبيتها باسيل في حال كان الفريق الأساسي الوحيد المشارك فيها، بينما مشاركة “التغييريين” كان من الممكن أن تضعف المعادلة التي قد تطرحها قوى الثامن من آذار، سواء على مستوى الصيغة أو التوازنات.
في المحصلة، تشدد المصادر نفسها على أن المعطيات الراهنة تؤكّد صعوبة الوصول إلى تأليف أيّ حكومة جديدة، إلا إذا تبدّلت الظروف على نحو كبير، خصوصاً أنّ العديد من أفرقاء قوى الثامن من آذار قد يرفضون الموافقة على أيّ تنازلات، يقدّمها رئيس الحكومة المكلّف لصالح رئيس “التيار الوطني الحر”.