بقلم الكاتب صفوح منجّد
تستمر إسرائيل في عدوانها بعد رفض خارطة الطريق اللبنانية التي تم التوافق عليها مع المبعوث الأميركي أموس هوكستين وترحيل الحراك السياسي للحل إلى مابعد الإنتخابات الأميركية التي تنتهي مرحلتها الأخيرة غدا الثلاثاء.
وبناء عليه رفض رئيس مجلس النواب نبيه بري وضع توقعات لمسار الأزمة في ضوء نتائج الإنتخابات الأميركية، مشيرا إلى أن هذا يترك الأمور في لبنان “رهنا” بتطورات الميدان، مبديا تخوفه من “تحويل لبنان إلى غزة ثانية في الميدان” ومقابل تجاوز كيان العدو القرارات الدولية وإنتهاك كل حقوق الإنسان ووضع الشروط التعجيزية، يتمسّك لبنان ويلتزم بتنفيذ القرار 1701، بإعتباره الخيار الوحيد لتحقيق الأمن والإستقرار في المنطقة.
وفي هذا الإطار أكّد الرئيس بري أمام قائد قوات الطوارىء الدولية العاملة في جنوب لبنان: أن إسرائيل أهدرت أقلّه منذ ايلول الفائت أكثر من فرصة محققة لوقف إطلاق النار وتطبيق القرار 1701 وعودة الهدوء والنازحين على جانبي الحدود، منوها ومشيدا بتضحيات قوات اليونيفيل وصمودها في مواقعها رغم إستهدافها من قِبل العدو الإسرائيلي.
الموقف نفسه سمعه قائد الطوارىء من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي إعتبر أن التصريحات الإسرائيلية والمؤشرات الديبلوماسية التي تلقاها لبنان تؤكد العناد الإسرائيلي في رفض الحلول المقترحة والإصرار على نهج القتل والتدمير.
ميقاتي الذي نفى ما أوردته بعض وسائل الإعلام بشأن وقف إطلاق النار من جانب لبنان فقط، أكد أن موقف الحكومة اللبنانية واضح بشأن السعي لوقف إطلاق النار من الجانبين وتنفيذ القرار الدولي 1701 الذي أنهى حرب تموز بين لبنان و اسرائيل عام 2006.
مواقف الرئيسين بري وميقاتي تقاطعت مع بيان وزارة الخارجية الفرنسية والتي أشارت فيه: إلى أن القرار رقم 1701 يضمن أمن السكان وعودة النازحين في لبنان وإسرائيل.ولفتت الخارجية الفرنسية إلى أن هناك حاجة ملحّة لوقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل في أسرع وقت ممكن.
مجمل هذه المواقف تأتي وسط تعنّت العدو الإسرائيلي وإستمراره في نهج القتل والتدمير المتنقل بين الجنوب والبقاع والجبل والضاحية الجنوبية، مقابل ضربات “المقاومة” الموجعة على الحدود وفي معظم محاور القتال وصولا إلى داخل الكيان المحتل الذي تصله صواريخ ومسيّرات العدو يوميا محققة الإصابات في الأرواح والآليات والثكنات العسكرية والأمنية.
واليوم يبدأ الشغور الرئاسي عامه الثالث، ففي الحادي والثلاثين من شهر تشرين الأول 2022 غادر الرئيس ميشال عون قصر بعبدا، اُقفلت أبواب القصر واُطفئت الأنوار فيه وغابت الحياة عنه وعن أرجائه، فصارت الجمهورية اللبنانية بلا رئيس وبلا رأس.
وبعد عامين كاملين على الفراغ يبدو الأمر أصعب مما كان عليه في الأول من تشرين الثاني 2022، فالفراغ المستحكم في الرئاسة الأولى تواكبه حرب مجنونة لا يبدو في الأفق ما يشير إلى أنها ستنتهي قريبا.
وآخر دليل على ذلك فشل المبعوثين الرئاسيين الأميركيين أموس هوكستين وبريت مكغورك في إحداث أيّ خرق على صعيد التوصّل إلى وقف إطلاق النار.
ومع أنّ السلطات اللبنانية لم تتبلّغ رسميا حصيلة المفاوضات الأميركية- الإسرائيلية فإنّ رئيس مجلس النواب نبيه بري نعى مبادرة وقف إطلاق النار مشيرا إلى أن نتنياهو رفض خريطة الطريق اللبنانية التي توافق عليها المسؤولون اللبنانيون مع هوكستين.
كذلك فإنّ مصدراً لبنانيا قال ان زيارة هوكستين إلى تل أبيب فشلت، وليس هناك أي تفاؤل لبناني معتبرا أنه بات واضحا أن نتنياهو لا يريد حاليا وقفا لإطلاق النار.
هكذا يرجّح أن تكون الأيام الفاصلة عن الإنتخابات (الساعات) الأميركية أياما وفق تاريخ اليوم، صعبة عسكريا على اللبنانيين وخصوصا أن رئيس الحكومة الإسرائيلية سيحاول ما أمكن الإستفادة من إنصراف الإدارة الأميركية إلى الشؤون الإنتخابية (وقد فعلت) ليحقق ما أمكن من أهدافه المعلنة وغير المعلنة، وفي هذا الإطار إستمرّت الغارات الإسرائيلية جنوبا وبقاعا حيث تساقط عشرات الشهداء كما إستهدفت المعارك وأعمال القصف مختلف المناطق اللبنانية.
وفي الوقائع الميدانية كثّفت المقاومة قصف العمق الإسرائيلي بشكل آلم الكيان العبري لاسيما أن حيفا باتت وفق الإحداثيات كما المطلّة في الغرب الجغرافي والرد الناري من قِبل المقاومة.
أما في السياسة فرهان رئيس مجلس النواب نبيه بري اليوم على الدورين الفرنسي والقطري حيث تسعى كل من باريس والدوحة لصياغة قرار لوقف إطلاق النار.
في هذه الأجواء الساخنة والدامية عقد رؤساء الطوائف إجتماعهم الحواري وإتخذوا موقفا واحدا من التطورات، سابقين بذلك زعماء السياسة ورؤساء الأحزاب، ففي بكركي إنعقدت قمة روحية إسلامية مسيحية شددت على أمرين: الشروع فورا بتطبيق القرار 1701 كاملا وقيام مجلس النواب بإنتخاب رئيس للجمهورية يحظى بثقة اللبنانيين. البندان مهمان ويلتقيان مع ما صدر من عين التينة عقب اللقاء الثلاثي الذي جمع رئيسي مجلس النواب والوزراء والنائب السابق وليد جنبلاط.
لكن المشكلة ليست في المواقف والمقررات الصادرة عن اللقاءات والقمم المختلفة، بل في مدى إمكانية تطبيقها عمليا، إذ هل ان حزب الله في وارد تطبيق القرار 1701 كاملا وفوراً، أم أن الضغط الإيراني يمنعه من ذلك؟.
والأهم: ماذا عن الموقف الإسرائيلي وتحديدا هل إسرائيل لا تزال في وارد تطبيق القرار 1701، أم أنها أصبحت في مكان آخر بعد العمليات الأمنية والإستخباراتية التي نفذتها على الأرض وبعد شروعها في تنفيذ عمليات عسكرية موضعية في الجنوب؟.
المعطيات اليومية تشير إلى أن إسرائيل ماضية في تنفيذ مخططاتها وذلك في ظل غياب إستراتيجية لبنانية واضحة لمواجهتها، كما أن إسرائيل لم تعد في وارد تطبيق وقف لإطلاق النار قبل إستكمال تنفيذ مخططاتها في لبنان.وهو ما أعلنه وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت بوضوح حين قال: أن أي مفاوضات بشأن لبنان لن تحصل إلآ تحت النار. وعليه فإن إسرائيل ماضية في تنفيذ سياسة الأرض المحروقة التي طبّقتها في النبطية.
فمبنى البلدية تعرّض لقصف عنيف تسبب في تدميره على رؤوس من كانوا فيه، ما أدى حتى الآن إلى سقوط 6 شهداء بينهم رئيس البلدية.
ووسط كل هذه الأجواء ومساحات القتل والتدمير المتمددة يوميا يطل من وقت إلى آخر من يتساءل هل الإنتخابات الرئاسية اليوم في موقعها؟ وكيف بالإمكان تأمين النصاب القانوني للجلسات؟ وفي الحقيقة أن الجواب حاضر ويمكن إختصاره بالسؤال التالي: إذا لم يكن هذا الإنتخاب اليوم وفي هذه الأجواء والدماء فمتى يحين موعدها؟ هل بعد أن ينتهي البلد؟ أم يجب تحقيق ذلك حتى يبقى البلد وأهله؟ ويبقى مجلس ونوابه؟.
وفي حقيقة الأمر يجب أن يُجمع الجميع على أهمية هذه الإنتخابات تحديدا وفي هذه الظروف بالذات، وليتمسّك نوابنا والكتل النيابية بأصالتهم ولبنانيتهم، فلبنان لم يعد يتحمّل الفراغات الرئاسية من وقت إلى آخر، وإذا كان الغرب ينصحنا بأهمية إنجاز هذا الإستحقاق وفي هذه الظروف بالذات، فلماذا نتأخر؟ ولماذا البعض لا يزال يفتش أو يختلق الأعذار غير الجدّية، إما ليتهرّب من الترشيح أولا ومن ثم الإقتراع ثانيا!؟
لقد سبق وأعلن العديد من النواب ومن الكتل النيابية تأييدهم لقائد الجيش العماد جوزاف عون والإقتراع له لمنصب رئاسة الجمهورية، ويشيدون في الوقت عينه بمناقبيته وقدراته ووطنيته لكي يتبوأ الرئاسة الأولى؟ ولماذا ينتظر البعض أن يتم طرح هذا الموضوع من قِبل آخرين في الداخل او في الخارج لكي يبادروا إلى إعلان موافقتهم؟. ولماذا لا يكون هؤلاء هم اصحاب الدعوة اصلاً وهل بإمكان البلد والدولة الإنتظار أكثر؟ ولكي نقول كلمتنا بصراحة أكثر نسأل الأولين قبل الآخرين ونتوجه بالسؤال إلى نوابنا في طرابلس والشمال: لماذا لا تبادرون إلى التحرك؟ ولتكن هذه المسألة في صلب مواقفكم وقد إشتهرتم بذلك فتحققون للبنان كل لبنان ما عجز عنه آخرون!!