بخلاف ما توحي به وزارة الاتصالات، فإن قرار مجلس شورى الدولة وقف تنفيذ قرار وزيرَي الاتصالات والمالية، الذي يسمح لشركتَي الخلوي بتحويل الأموال إلى «الاتصالات» بعد حسم الرواتب والمصاريف التشغيلية، قد يكون فرصة لإنهاء الفوضى التي تسيطر على عمليات الدفع للمورّدين لا العكس. فالقرار يعني تلقائياً العودة إلى تنفيذ المادة 37 من قانون الموازنة لعام 2020، والذي تعتبره الوزارة غير قابل للتطبيق. لكن مع ذلك، تؤكد مصادر معنية أن سحب صلاحية الدفع من يد الشركتين ونقلها إلى وزيرَي الاتصالات والمالية، يمكن أن يؤسّسا لمعالجة شاملة لملف المدفوعات المترتبة على شركتَي الخلوي، بما يُنهي الفوضى في التعامل مع المورّدين. وبطبيعة الحال، إذا كان القرار السياسي متوفّراً، فلن يكون صعباً إصدار قرار استثنائي يوقّعه رئيسا الجمهورية والحكومة ووزيرا «المالية» و«الاتصالات»، وينصّ على آلية تتوافق مع القانون. بعد قرار «الشورى»، سيكون هذا الخيار الوحيد المتاح أمام الوزارة والشركتين، إذا أرادتا تسديد مستحقات المورّدين، ولا سيما للمتعاقدين مع شركة «تاتش» التي لم تسدد أموالهم منذ أكثر من سنة. على كل شركة أن ترسل إلى وزارة الاتصالات رسالة تشرح فيها ما عليها من التزامات، وعلى الأخيرة أن تنسّق مع وزارة المالية للاتفاق على آلية دفع موحّدة. ما يحصل اليوم هو العكس. الفوضى هي المسيطرة. كل مدير يسعى إلى تمرير دفعات الشركة التي «تخصّه» بالدولار النقدي إن أمكن، أو بالدولار البنكي، وصولاً إلى قسمة المستحقات لأجزاء يُدفع جزء منها بـ«اللولار» والجزء الآخر بالليرة. النسبة هذه تختلف أيضاً بين مورّد وآخر، تبعاً للعلاقات الشخصية أو الحزبية أو المالية.

لكنّ هذا النمط بدأ بتطفيش الشركات المتعاقدة مع شركتَي الخلوي. أوّل الشركات المنسحبة كانت شركة TelePerformance (تابعة لـ«فتّال» غروب) المسؤولة عن مركز الاتصالات في «تاتش». العاملون في تلك الشركة كانوا يتقاضون رواتبهم على سعر 1500 ليرة للدولار، فيما موظفو «تاتش» يحصلون عليها بالدولار. وعندما طلبت تعديل العقد تأميناً للمساواة بين العاملين في المركز نفسه، رفضت «تاتش» ذلك، مشيرة إلى أنه لا يمكن تعديل العقد إلا في حال إجراء مناقصة جديدة. عندها أعلنت الشركة انسحابها، وفي الوقت نفسه أطلقت «ميك 2» المناقصة. لكن، لأن التركيبات لم تتغير، مرّت ثلاثة أشهر على إطلاق المناقصة من دون البتّ فيها، بعدما اعترض أحد المشاركين على غياب العدالة في التقييم وبعدما تأكدت المديرة العامة للشركة حياة يوسف من ذلك، إثر تكليفها لجنتين للتأكد من صحة نتيجة فضّ العرض التقني.
الخلاف نفسه تكرّر مع شركة Cplus المعنية بخدمات التنظيف. الشركة تلك تعمل في «تاتش» منذ سنوات طويلة، كانت تتقاضى أجرها بالدولار، نهاية كل شهر. لكنها، كمعظم الموردين المتعاقدين مع الشركة، لم تحصل على مستحقاتها منذ عام 2019، لأسباب تتعلق بالسعي إلى تقديم أرقام غير واقعية للإيرادات المحوّلة إلى وزارة الاتصالات. منذ ذلك الحين، تتفاوض شركة التنظيفات مع «تاتش» للحصول على مستحقّاتها بالعملة المتفق عليها من دون جدوى، بالرغم من تقديمها كل الإثباتات التي تؤكد أن أغلب مدفوعاتها بالدولار النقدي، إذ أن معظم عمالها من جنسيات أجنبية وكانوا يتقاضون أموالهم بالدولار، قبل أن يتم الاتفاق معهم لاحقاً على تقسيم الراتب بين الدولار النقدي والليرة، أضف إلى ذلك أن كل أدوات التنظيف والماكينات تُسعّر بالدولار، لكن ذلك لم يؤدّ إلى أي نتيجة. العمال أنفسهم، ولا سيّما اللبنانيون منهم، سبق أن طالبوا بمساواتهم بموظفي شركة «تاتش»، الذين يتقاضون رواتب بالدولار المصرفي، لكن دون جدوى. ولذلك، أضرب عمالها السبعون عن العمل لمدة يومين، كانا كافيين لانتشار النفايات في مراكز الشركة. المشكلة الأساس بحسب مصادر في «تاتش» أن الإدارة نفسها لا تعرف ماذا تريد.

«تاتش» توافق على دفع 65 في المئة من مستحقات Cplus باللولار ثم تتراجع

سبق أن أرسلت إلى الشركة كتاباً توافق فيه على دفع مستحقاتها المتراكمة والمقدّرة بمليون دولار، عبر طريقة الدفع التالية: 65 في المئة بالدولار المصرفي، و35 في المئة بالليرة اللبنانية حسب السعر الرسمي. ثم عادت وتراجعت، لتقسم النسبة بين العملتين مناصفة، قبل أن تتراجع مجدداً فتصل حالياً إلى 20 في المئة بالدولار المصرفي فقط مقابل عشرين في المئة بالليرة وفق سعر الصرف الرسمي. الحجة كانت أن وزارة الاتصالات لم توافق سوى على الاقتراح الأخير، علماً أنه حتى عندما وافقت الشركة على قبض الجزء الذي بالدولار لتسيير أعمالها، على أن تتابع وفق الآليات القانونية المطالبة بما تعتبره حقاً لها، طُلب منها التوقيع على مستند يؤكد أنها توافق على تسلّم أموالها كاملة بالليرة اللبنانية على السعر الرسمي، على أن يكون 20 في المئة من هذا المبلغ، ضمناً، بـ«اللولار»، فرفضت.
في المقابل، رفضت إدارة Cplus التعليق على هذه المعلومات، معتبرة أن الأمور في طور الحل مع «تاتش» ومع وزارة الاتصالات. كما رفضت التعليق على الأخبار المتداولة عن طلبها وقف العقد. لكن ما يؤكد صحة ذلك هو إطلاق «تاتش» مناقصة خاصة بخدمات التنظيف. فبحسب العقد الذي يُجدد كل ثلاثة أشهر، يحقّ لأي طرف وقفه، بمجرد تقديمه إنذاراً للطرف الآخر قبل عشرة أيام. المناقصة أُطلقت في 12 أيار الماضي، وكان مفترضاً أن تُقفل في العاشر من حزيران الحالي، لكنها مُددت حتى 22 الحالي، بعدما لم يتقدّم إليها إلا عارضٌ وحيد. علماً أن أكثر من عارض سبق أن حاولوا المشاركة في المناقصة من دون أن يُسمح لهم بذلك بحجج مختلفة.