شعار ناشطون

عندما “يتفهَّم” الحريري وضعية حزب الله وبيئته الحاضنة

17/02/25 06:18 am

<span dir="ltr">17/02/25 06:18 am</span>

غادة حلاوي – المدن

لا يشبه سعد الحريري أحداً. سياسي حاضر رغم الغياب. لكأن جمهوره يتماهى معه ويتقاسمه لحظة الغياب والحضور. يعود فتجده في انتظاره. تصدح حناجره بالهتافات ذاتها، مستذكراً في عملية دمج، الأب والإبن، في لحظة وجدان لم ينطفئ وهجها. لسعد الحريري في ذاكرة اللبنانيين، حضور غير مغمس بالدم. على سجيته يتعاطى معهم، وبعفويته يتقرب منهم. حوّل سعد الحريري الرابع عشر من شباط إلى محطة حب وترسيخ للحريرية السياسية التي لم تنته، بدليل ما شهدته ساحة الشهداء التي جمعت هذا العدد من اللبنانيين رغم كل الظروف والمتقلبات التي طرأت على البلد.
اختلفت عودة الحريري في الذكرى العشرين لاستشهاد والده الرئيس رفيق الحريري عن سابقاتها. متغيرات كثيرة فصلت بين زمنين. سقوط نظام بشار الأسد وهروبه الى خارج سوريا وتسلم أحمد الشرع، الحرب الاسرائيلية على لبنان وما انتهت إليه من دمار وإلحاق الأذى الأكبر بالبيئة الشيعية من دمار في الجنوب والبقاع وضاحية بيروت الجنوبية، والأهم هو اغتيال قادة حزب الله وعدد كبير من مسؤوليه العسكريين، دخول أميركي- سعودي مباشر إلى لبنان، بعد قطيعة طويلة، وانتخاب رئيس للجمهورية وتكليف رئيس حكومة برعايتهما معاً.

الانتخابات البلدية والنيابية
في الذكرى العشرين، مهد الحريري الإبن للعودة إلى وضعيته السياسية السابقة كرئيس لتيار سياسي، وزعيم يحظى بحضور وازن في الساحة السنّية ولدى عامة اللبنانيين. ألمح إلى انخراطه في العملية الانتخابية، البلدية ثم النيابية. في اعتقاده أن الانخراط في البلدية يعني الدخول إلى عمق العائلات والانقسامات التي قد تنتج. ولذا، فحضوره سيكون من خلال هذه العائلات ومستوى علاقتها مع تياره السياسي، باستثناء العاصمة بيروت حيث يؤكد الحريري تدخله متى وجد أن المناصفة مهددة ويتوجب حمايتها. وفي الانتخابات النيابية، من السابق لأوانه إعطاء جواب حاسم بعد.
وإذا كان الحريري أعاد التأكيد ربطاً بعودته السياسية “أن كل شي بوقته حلو”، فإنه ورغم كل ما سلف ذكره من تطورات، لا يجعله يعلن عودة نهائية وثابتة إلى وضعيته السياسية. وقد آثر الاكتفاء بالثناء على انتخاب رئيس للجمهورية ووجود رئيس حكومة وحكومة من الكفاءات. وهو ما رأى فيه فرصة ذهبية للبنان للعبور إلى بر الأمان الاقتصادي والاجتماعي.
في كلمته من ساحة الشهداء، قال الحريري كل ما يفترض به قوله تلميحاً أو صراحة. غيابه عن التمثّل في الحكومة لا يمنعه من تبنيها ودعم العماد جوزاف عون في الرئاسة الأولى. التحق بعودته، وكالعادة، رئيس الحزب الاشتراكي السابق وليد جنبلاط ونجله النائب تيمور جنبلاط، حضنه رئيس مجلس النواب نبيه برّي الذي يرى فيه صورة والده. زارته وفود شعبية ووزراء حاليون ونواب. قد لا يكون مبالغة القول إن وجود الحريري سرق وهج رئيس الحكومة الحالي، وحول الأنظار عن سردية بيان حكومته الوزاري. لعلها منفعة لرئيس الحكومة.
واقعي رئيس الحكومة الأسبق في مقاربته للوقائع والتحولات السياسية. متفهم لوضعية حزب الله والطائفة الشيعية، بفقدان الأمين العام السيد حسن نصرالله ونخبة من قادة حزب الله، وقد منيت هذه البيئة بخسائر فادحة في الأرواح والممتلكات، بما يوجب التعاطي معها بروية، من دون أن يلغي من حساباته التأكيد على حصرية السلاح بالدولة، والجيش القادر على القيام بدروه، وبسط سيادته عل كامل الأراضي اللبنانية. فطبيعة الأمور تقول إن كل طرق تزود حزب الله بالسلاح قد صدت، بموجب التغيرات التي طرأت على سوريا، وستفرض تغييرات على وضعيته بما يصعب عودته إلى سابق عهده. ومن هنا لا يغيب عن ذهن الحريري الحديث عن ضرورة احتضان الشيعة في لبنان، ويعتبر أن خسارة طرف تعني خسارة الجميع في لبنان.
وحتى إيران لم تعد على حالها، وحضورها تراجع في المنطقة كما في لبنان.

العودة النهائية
في كلمته من أمام الضريح كما في الجلسات الجانبية، يظهر الحريري تماسكاً وإلماماً بالوضع عن كثب، لكأنه لم ينقطع عن تواصله مع تياره ومسؤوليه. لا يفوت فرصة التأكيد على دعم رئيسي الجمهورية العماد جوزاف عون والحكومة نواف سلام وحكومة الكفاءات، التي تبشر بأن الآتي من الأيام سيحمل الخير للبنان بفعل التغيرات التي يتحدث عنها الحريري والقرار الدولي بالنهوض بالبلد وتغيير واقعه.
متفائل الحريري بمستقبل لبنان، والسبب أن الأوضاع التي جعلته يعلق عمله السياسي تبدلت. ولكن ورغم ذلك، فإن عودته ليست نهائية ولا هي مؤكدة، وإن حملت الكثير من المعاني السياسية وأعادت تفويضه لدى طائفته وفي لبنان. أصر على إحاطتها بضبابية يجعل البعض يؤكد بلا لبس أن ما أو من فرض عليه تعليق عمله السياسي لم يسنح له بالعودة النهائية بعد. لكن بالبعد السياسي، يمكن اعتبار أن الحريري بعودته هذه يمهد الأرضية لخوض انتخابات نيابية، قد لا تكون بالمباشر وإنما من خلال ترشيح أقرب المقربين بالنيابة، كالعمة بهية الحريري أو الأمين العام لتيار المستقبل، نجلها أحمد الحريري أو كلاهما معاً، وكل في دائرة مغايرة. وفي ضوء الانتخابات النيابية تتوضح الرؤية لعودته وتكتمل، فتكون الحكومة الحالية قد أدت قسطها للعلى، وكان لزوماً تشكيل حكومة أخرى مغايرة، تواكب الواقع الذي ستحدده نتائج الانتخابات النيابية.
عاد الحريري بجرعة سياسية مضاعفة عن عوداته السابقة، لكأنه أراد اختبار الحضور على الساحة لتكون تلك هي الرسالة لمن يعنيهم الأمر، بأن زمانه لم يأفل بعد، وهم خارج لبنان بطبيعة الحال. من هم حلفاء الحريري في المرحلة المقبلة؟ لا أحد يجيب سريعاً، بما يؤشر إلى أن جروح الماضي البعيد لم تندمل بعد. وهو صارح الحلقة الضيقة بالقول إن الطعنة القاسية لم تأت إلا من أقرب المقربين. فالأولى أن يكون وحده مرتاحاً من عبء التحالفات وكلفتها، وإن كان ذلك مجرد موقف عابر طالما أن العودة لا تزال مؤقتة.

تابعنا عبر