
كان أبو عثمان خامة إنسانية نادرة، لم تنجح محاولات حشره في زاوية الصراعات الداخلية على قساوتها. وهي طالته في إشكال حصل قبل سنوات مع ابنه، وأصبح اليوم أحد عوامل الاستهداف الشكلية، لكنّ عارفي الرجل يدركون أنّ غيابه شكّل خسارة عميقة لطرابلس.
كتب أحمد الأيوبي في أساس ميديا:
كان عامر عبد الرزاق مرعب (أبو عثمان) صاحب حضور استثنائي.
فهو من القلائل الذين خاضوا غمار المواجهات الكبرى، بدءاً من طرابلس في مواجهة جيش النظام السوري، إلى جلّ البحر ضدّ العدو الإسرائيلي، وفي أعظمية بغداد مقاوِماً الاحتلال الأميركي للعراق، ثمّ عاد إلى مدينته يواصل تحصينها والمساهمة في حمايتها من أعداءٍ جعلوها نُصب مدافعهم وتفجيراتهم وحصاراتهم العسكرية والاقتصادية والسياسية والإعلامية، إلى أن وصلت إليه يد الاغتيال يوم الرابع والعشرين من حزيران 2021، بعد يومين على اجتماع حاشد ألقى فيه “خطاب وداع” مؤثّراً خلال لقائه جموعاً شبابية متحمِّسة وغاضبة في القبّة على خطوط التماس الخامدة.
كان عامر مرعب (أبو عثمان) ورفيقه في تأسيس “اللقاء الشعبي” زكي مقصود (أبو داوود) يخوضان نقاشاً محتدماً مع أكثر من 300 شاب من شبّان محلّة القبة في طرابلس اجتمعوا في نقطة “الريفا” المتاخمة لجبل محسن والمعروفة كإحدى نقاط التماس والاشتباك سابقاً بين الجبل والقبة.. كان النقاش يهدف إلى تصويب حالة الاحتقان والغضب لدى شبان المنطقة بسبب تردّي الأوضاع المعيشية، ومنع تحوّلها إلى صدامات عنيفة أو مسلّحة في وجه الجيش أو الناس.
علا صوت أبي عثمان وارتفع، وتحدّث بلهجة حادّة وقاسية منتقداً بشدّة مهاجمة الجيش، وذكّر الحاضرين أنّه “خلال معارك طرابلس مع جيش النظام السوري، جرى الاتفاق على أن يقوم الجيش اللبناني بإنشاء نقاط للفصل بين المقاتلين في المدينة وبين القوات السورية، فقام البعض بمهاجمة الجيش وفرضوا علينا المعركة بالإكراه”، داعياً الشباب إلى “ترك الجيش يقوم بواجبه في حمايتنا حتى لا نندم. حافظوا على هذه المؤسسة، وإيّاكم وضربها والضغط عليها، فهذا سيؤدي إلى سقوط طرابلس في الفوضى الشاملة، مع انعدام أيّ دعم أو إغاثة من الخارج”.
كرّرها أبو عثمان مرعب مراراً وكأنّها كلمات وداعه لِمَن يخاطبهم ولأهالي طرابلس: “كرمى لله يا شباب انتبهوا إلى ما تُقدِموا عليه، ولا تتورّطوا في ما ليس لنا طاقة به. وأنا أقول هذا الكلام حتى أبرأ إلى الله في المستقبل
لا يمكن فصل هذا السياق عن الاغتيال الذي تعرّض له عامر مرعب الذي يقول رفيق دربه في “اللقاء الشعبي” زكي مقصود إنّه “مقتنع بأنّ ما جرى هو اغتيال سياسي حاول البعض إلباسه لبوس الثأر. وإذا كانت أجهزة الاستخبارات جدّية في كشف الحقيقة، فإنّ في استطاعتها الوصول إليها لأنّها سبق أن كشفت جرائم أكثر تعقيداً”، كاشفاً أنّه استجمع من خلال متابعته الميدانية ما يفيد أنّ الذين “اغتالوا الشهيد عامر عثمان كانوا أكثر من تسعة أشخاص تحرّكوا في سيارتيْ حماية، إضافة إلى الأربعة الذين نفّذوا الاغتيال على الأرض، واتّخذوا من بورة قريبة يعرفها الأهالي باسم “البلّانة”، مكمناً لهم، فيما آخرون على متن دراجتين ناريّتين قاموا بالتأكّد من استشهاد عامر، فوجدوا أنّ رفيقه محمد عمران لا يزال حيّاً، فأطلقوا النار عليه حتّى فارق الحياة”