تفترض وزارة المالية أن قرارها حول كيفية احتساب الضريبة على الرواتب والأجور التي تدفع بالعملة الأجنبية، يؤمن مبدأي العدالة والمساواة بين المكلفين. لكن ما فات الوزارة أن تحقيق هذا الهدف ممكن فقط من خلال تعديل قانون الضريبة نفسه. أما خطوة فرض زيادات كبيرة في الضرائب، بحجة الاحتساب وفق ما يسمى «السعر الفعلي للدولار»، فليست، بحسب النقيب الأسبق للمحاسبين أمين صالح، سوى عملية مخالفة للقانون وللمراسيم التطبيقية والتصميم المحاسبي العام. إذ إن الوزارة ملزمة باعتماد السعر الرسمي للدولار في مختلف عملياتها، وإلا ستكون الفوضى هي ما يحكم هذه العمليات، بما ينعكس على الاقتصاد ككل.

مبدأ العدالة الضريبية يقوم على أن من يقبض أكثر يدفع ضريبة أكبر. لكن الإعلام الذي يحمل الرقم 455 تاريخ 26 تموز 2021، يزيد من الغموض حول طريقة عمل وزارة المالية، وهو ما بدأ مع القرار الرقم 893/1 تاريخ 31/12/2020 والإعلام الرقم 114 بتاريخ 15/1/2021. الأول يتعلق بتحديد أصول تسجيل العمليات التجارية وعناصر الأصول والخصوم الحاصلة أو المكتسبة بعملات أجنبية التي تتأثر قيمتها بتقلبات أسعار العملات، والثاني يتعلق بضرورة إصدار الفواتير والمستندات المماثلة لها واستيفاء الضرائب والرسوم بالليرة اللبنانية.
في المقابل، توضح مصادر مسؤولة في وزارة المالية أن هذا الإعلام هو مجرد تذكير للشركات بضرورة احتساب الضريبة على أساس القيمة الفعلية للدولار. يقول المصدر إن القرار الرقم 893 كان قد ألزم الشركات بضرورة تسجيل حساباتها بحسب السعر الفعلي للدولار، وبالتالي، بما أن الرواتب هي جزء أساسي من هذه الحسابات، يفترض أن تحتسب قيمتها على أساس القيمة الفعلية للدولار، وأن تُدفع الضريبة على أساس السعر الفعلي للدولار في يوم دفع الراتب.
أما عن كيفية تحديد السعر الفعلي، فإن المصدر يعتبر أن سعر الصرف المتداول صار شبه منظم، والشركات تلجأ في الغالب إلى التطبيقات الرقمية لتحديد السعر. أي أنها كما تحدد السعر الفعلي لمسك حساباتها، عليها أن تعتمد الآلية نفسها لدفع الضريبة.
نقيب المحاسبين سركيس صقر يحمل ملاحظاته على الإعلام الصادر لمناقشتها اليوم مع المسؤولين المعنيين. ومع أن الإعلام «يصلح لتحفيز النقاش في الأمر»، إلا أنه أتى قبل أوانه قليلاً. وهو إذ يشدّد على ضرورة أن يدفع أكثر من يقبض أكثر، إلا أنه يرى أنه ينبغي أن يوضع سعر موحد للاحتساب، بحيث لا تكون الفوضى هي المعيار، بما يزيد من نسب التهرّب من الضريبة. ويطرح صقر إشكاليتين، الأولى تتعلق بضرورة تعديل شطور الراتب، والثانية تتعلق بضرورة تعديل التنزيل العائلي الذي يتراوح حالياً بين 7.5 ملايين ليرة سنوياً و12 مليوناً (بحسب الوضع الاجتماعي للموظف وعدد أفراد الأسرة).

«المالية»: الإعلام خطوة استباقية يفترض اتّباعها بتعديل قانون الضريبة

تجدر الإشارة إلى أن اعتماد سعر السوق في تحديد ضريبة الدخل، يعني أن كل الذين يقبضون بالدولار سينتقلون إلى شطور أعلى بكثير من الشطور الحالية لرواتبهم. وعلى سبيل المثال، مع احتساب الدولار على سعر 20 ألف ليرة، فإن من كان يقبض ألف دولار، أي مليوناً ونصف مليون ليرة سابقاً (18 مليون ليرة سنوياً)، صار يقبض حالياً عشرين مليون ليرة شهرياً (أي 240 مليون ليرة سنوياً). وبحسب موازنة عام 2019، فإن الموظف الذي كان يدفع ضريبة 7 في المئة كحد أقصى (عن الشريحة بين 15 مليون ليرة و18 مليوناً)، ستصل الضريبة المفروضة عليه إلى 25 في المئة على الشريحة التي تفوق 225 مليون ليرة، و20 في المئة على الشريحة ما بين 120 و225 مليون ليرة. وهذا يعني عملياً أن من يتقاضى ألف دولار، كان يتوجب عليه دفع 25 ألف ليرة ضريبة دخل، بينما مع الاحتساب الجديد سيدفع ما يزيد على ثلاثة ملايين ليرة (3.050.750 ليرة شهرياً للموظف العازب)، علماً بأن التنزيل في الحالتين يبقى 625 ألف ليرة شهرياً.
ينبه صقر إلى أن الشركات، وإن تقتطع الضريبة شهرياً إلا أنها تحوّلها إلى المالية كل ثلاثة أشهر، وبالتالي، درجت العادة أن تضع هذه الأموال في المصرف، على أن يحوّلها بدوره عند الاستحقاق إلى المالية. هذه العملية لم تعد ممكنة حالياً. فالمصرف لا يمكنه أن يحول إلى المالية إلا على سعر 1500 ليرة للدولار، وبالتالي فإن الشركة ستكون مضطرة إما إلى تجميع أموال الضرائب في صندوقها إلى حين استحقاق الضريبة على أن تدفعها مباشرة، أو أنها ستودع المبالغ في المصرف على أن تسحبها عند استحقاق الضريبة وتدفعها بنفسها، بما يعني العودة إلى الوراء وعدم الاعتماد على المصارف لدفع الضريبة.
أما سؤال صالح المباشر فهو: هل يعقل أن تزيد السلطة الضرائب في وقت التضخم، بينما تلجأ دول العالم الى خفضها من أجل تحفيز الاقتصاد؟ معتبراً أن السلطة «لا تزال مصرة على تحميل الخسائر للناس والموظفين والعمال، بدلاً من تحميلها للمصارف ومصرف لبنان». ويضيف: «إذا أرادت الحكومة احتساب الضريبة على سعر 20 ألف ليرة، فعليها أولاً أن تُعدّل الرواتب لتناسب سعر الصرف هذا. لذلك، بدلاً من أن يكون الحد الأدنى للأجور 675 ألف ليرة، يفترض أن يكون 9 ملايين ليرة. عندها يمكنها أن تحتسب الضريبة على سعر السوق. فالعمال والمستخدمون الذين كانوا يقبضون ألف دولار، لكن على شكل مليون ونصف مليون ليرة، لا يزالون يقبضون المبلغ نفسه، لكن قيمة هذا المبلغ هي التي تغيرت. وإذا كانت السلطة تريد أن تعتمد سعراً جديداً للصرف، عليها أن تذهب إلى تغيير القوانين والمراسيم قبل ذلك».