لبنان عربيمحليات

تصاعدت بالأمس حدة الإحتجاجات في مدينة طرابلس. حركة تذمر بدأت ملامحها بالظهور منذ يوم الجمعة الماضي وحملت عنوان الاعتراض على الإجراءات المشددة التي صاحبت الإقفال العام، وتصاعدت حدتها بشكل تدريجي حتى بلغت الذروة ليلة امس.

رغم كل العناوين المطلبية المحقة التي تحرك المحتجون تحت اطارها، فان ما حدث مرتبط بجزء منه بالوضع المعيشي البائس الذي ينهش اللبنانيون، والجزء الأكبر هو حلقة من مسلسل الصراع المستمر بين ضباط الأجهزة الأمنية المختلفة الذين يحاول البعض منهم تسيّد المشهد عبر إستغلال أوجاع اللبنانيين، فيستخدم زمراً شبابيةً كدمىً يحركوها من خلف الستارة، ويجعلها حطباً لابقاء جذوة نار نفوذه ملتهبة…بأمر السياسة وأهلها.

التمهيد للفوضى

منذ بداية الإقفال العام، استمر عدد من اصحاب المحال والمقاهي والمؤسسات التجارية في ممارسة عملهم ضمن ضوابط معينة، مثل عدم ادخال اي مواطن الى حرم المؤسسة، واقفال الأبواب مع ترك ضفة او جزء منه موارباً، وارتداء الكمامة وسواها من الاجراءات.

كل هذا تم بالتنسيق مع ضباط أجهزة الأمن المختلفة في المدينة. لكن وسائل الاعلام البارزة منها على وجه التحديد، عملت على تصيّد هذه المؤسسات وتصويرها بالجرم المشهود وبث تلك المشاهد في نشرات الأخبار، مع حملة تشنيع وتقريع، وتعميم وصف التمرد على مدن وأحياء بعينها.

وقد كان لطرابلس حصة الأسد في تلك الفيديوهات والحملات، مما أثار حنق إدارات أجهزة الأمن المركزية، بسبب اللوم الذي وجه اليهم لتغاضيهم عن ما يحدث.

تفيد المعطيات التي استقاها “لبنان عربي” من أكثر من مصدر، بأن ما جرى دفع ضباط الأجهزة في بيروت الى التحرك، فأرسلوا منذ بداية الأسبوع الماضي دوريات بعضها بلباس مدني وبسيارات مدنية، تجوب شوارع المدينة وتقوم بتصوير المحلات والمؤسسات المخالفة. حتى تلك التي بالكاد يظهر أنها تعمل، فكمنت لها بعض الفرق واستغلت لحظة عابرة او سهوة من زبون او صاحب دكان، لالتقاط صور اعتمدتها كوثيقة تثبت عدم الالتزام ومخالفة قرارات التعبئة.

لذا بدأت يوم الخميس محاضر المخالفات تهطل بغزارة على أبناء المدينة، وأرسلت لأصحاب المحلات محاضر “مليونية” معززة بصور “ثلاثية الأبعاد” تثبت المخالفات. عندها قام هؤلاء بمراجعة ضباط الأجهزة في المدينة، مشتكين من أنهم ما اقدموا على ما فعلوه الا بعلمهم ورضاهم.

الضباط الذين يعدون أنفسهم أصحاب المكان والقابضين على زمام اللعبة، هالهم تفلت الموضوع من أيديهم، ولم تنفع مراجعاتهم المتكررة لزملائهم ومسؤوليهم في العاصمة، ما أوجد نوعا من البلبلة داخل بعض الأجهزة الأمنية.

تزامنا مع ذلك، نزلت مجموعات متعددة من شباب صغار السن، عاطلين عن العمل، اعتادوا الجلوس في المقاهي، معظمهم لا يتجاوز العشرين من العمر، دأبوا من فترة لأخرى على التحرك تحت عباءة الأجهزة الأمنية، وتنفيذ أجندة شغب تصل اليهم جاهزة عبر موزعين معتمدين، مقابل بدل مالي زهيد لا يتجاوز العشرين ألف ليرة لكل فرد، والمئة الفاً لمن يتزعم مجموعة من عدة شباب.

صراع النفوذ بين ضباط الأجهزة الأمنية حوّل المدينة الى “مسرح” يتبارز عليه أصحاب “النجوم الذهبية”، كما كان الحال في أحداث الجبل – التبانة،…لخدمة السياسة التي يمثلونها.

 فهل ما حصل بالأمس هو مشهد النهاية في هذا الفصل، أم اننا سنشهد فصولاً أكثر عنفاً في الأيام المقبلة؟