كتبت ايفا ابي حيدر في “الجمهورية”:
رغم مرور حوالى 10 أيام على خفض الدعم على أسعار المحروقات وما تلاه من فتح اعتمادات للبواخر وافراغ لحمولتها، لا تزال أزمة المحروقات على حالها. المحطات في غالبيتها مقفلة، والتي تملك مخزوناً للبيع تمتد الطوابير امامها مئات الامتار، ناهيك عن حوادث يومية تشهدها المحطات ويتخلّلها اطلاق نار، أو إقدام أشخاص على حرق سياراتهم او ركنها في وسط الطريق لنفاد البنزين. كلها عادات دخلت حديثاً الى يوميات اللبناني، فهل من حلول مستدامة ام المطلوب التكيّف مع هذا الواقع الجديد؟
يصف احد العاملين في محطات المحروقات لـ«الجمهورية» المشهد اليومي كالتالي: «تبدأ السيارات بالاصطفاف امام المحطات اعتباراً من الرابعة فجراً، وغالبيتهم يستأنفون نومهم الى حين بدء العمل، اي اعتباراً من السابعة والنصف صباحاً. استمرار الأزمة لأشهر كوّنت لدينا فكرة عن بعض الزبائن الذين يقصدوننا. فنحن كمحطة محروقات تقع في موقع استراتيجي «نفوّل» بنزين لكل السيارات التي تقصدنا. كيف يمكن تفسير انّ هناك حاجة يومية للتفويل عند بعض السيارات، وهنا نتحدث عن صفيحتي بنزين اقله يومياً، سوى بهدف التخزين. فقد تبيّن لنا انّ تعبئة البنزين باتت مهنة للبعض. فبعد «التفويل» يسحبون البنزين من السيارة الى «غالونات» ويبيعونها بأسعار السوق السوداء لا سيما في المناطق النائية».
تابع: «يقول احد سائقي السيارات العمومية، انّ مدخول المهنة يصل في احسن الأيام الى 100 الف ليرة يومياً، وهذا المبلغ يُعدّ زهيداً جداً في هذه الايام، ولا يكفي لسدّ حاجات العائلة، لذا تحوّل البعض الى مهنة بيع البنزين. فيأتي هؤلاء، خصوصاً من مناطق عكار، يصطفون منذ الصباح الباكر امام المحطات، يعبئون سياراتهم بالبنزين ثم يعمدون الى تفريغها بغالونات الـ9 ليتر ويتجهون صوب الشمال، خصوصاً أوتوستراد العبدة باتجاه سوريا، فيبيعون كل 9 ليتر بـ 100 الف ليرة على الأقل، ما يعني انّ الصفيحة (20 ليتراً) التي تباع بـ71 الفاً حالياً يبيعها صاحب السيارة بـ 222 الفاً، محققاً ربحاً حوالى 150 الفاً، ما يعني أيضاً انّ في كل نقلة بنزين يؤمّن ربحاً بحدود 300 الف على الأقل، وهو قادر على تأمين مدخول يتراوح ما بين 500 الى 700 الف يومياً، واحياناً تصل الى المليون ليرة، وذلك تبعاً لعدد المرات التي يصطف فيها امام المحطات».
ما ذُكر هو من العوامل التي تساهم في إبقاء الارتال امام المحطات. اذ ليس كل من يصطف لتعبئة البنزين في حاجة اليه، انما يعتمدها كمهنة لبيع البنزين في السوق السوداء، لكن هل من افق او حلول لهذه الأزمة؟ لماذا لم يلمس المواطن أي تغيير بعد، رغم ارتفاع الأسعار وفتح الاعتمادات؟ لماذا بعض المحطات لا تزال خراطيمها مرفوعة؟ ومتى وكيف ستنتهي هذه الأزمة؟ أسئلة يطرحها المواطن يومياً من دون أي إجابات مقنعة حتى اليوم.
في السياق، تؤكّد مصادر مطلعة لـ «الجمهورية»، انّ القرار الأخير الذي اتخذته الحكومة والقاضي برفع أسعار المحروقات بهذا الشكل وبهذه السرعة من دون أي تحضيرات مسبقة هو خطأ. فهكذا قرار كان يلزمه على الأقل أسبوعين قبل ان يدخل حيز التنفيذ، لأنّ النظام المتّبع في معاملات الدولة هو بيروقراطي، أي يعتمد على معاملات معقّدة وطلب ورقة من هنا وأخرى من هناك وتواقيع اطراف عدة…
وقالت المصادر: «الخطأ بدأ باتخاذ قرار تحتاج آلية تنفيذه الى أسبوعين على الأقل، خصوصاً في مادة حيوية مثل البنزين والمازوت. كان الاجدى بالدولة تصريف كل البضاعة الموجودة في الخزانات والكشف للاعلام عن المخزون الحقيقي المتوفر في البلد، ويومها كان لدينا 100 مليون ليتر في منشآة النفط و20 مليوناً في المحطات، أي ما مجموعه 120 مليوناً. هذه الكميات كانت تكفي البلاد لـ 6 أيام، على ان يتمّ خلال هذه الفترة إنجاز المعاملات المطلوبة بسرعة، إيذاناً ببدء العمل بالقرار الجديد. لكن ما فعلته الدولة هو العكس تماماً، من خلال تجفيف السوق من المحروقات وإذلال المواطنين على المحطات. في هذا الوقت كان أصحاب الشركات المستوردة للنفط يعملون على انهاء المعاملات البيروقراطية لزوم السير بالقرار الجديد».
وأكّدت المصادر، انّ هذه المعاملات كانت ستستغرق وقتاً أطول بعد، لولا تدخّل كبرى المرجعيات في البلد، فقرّر على إثرها مصرف لبنان دفع الفواتير بسرعة قياسية قبل نهاية الأسبوع الماضي، ليتمّ تفريغ 3 بواخر تابعة لأكبر 3 شركات تغذّي أكبر عدد محطات في السوق. كذلك، ولتقديم مزيد من التسهيلات، وعد المركزي بإعطاء موافقات مسبقة قبل نهاية هذا الأسبوع للبواخر المتوقع ان تصل الى لبنان خلال الأسبوعين المقبلين، لبداية تسهيل حلحلة الأزمة.
وأكّدت المصادر، ان لا حلحلة في أزمة المحروقات قبل منتصف الأسبوع المقبل، إذ من المتوقع ان تتبلّغ الشركات في الأيام المقبلة بفتح اعتمادات تباعاً، على ان يبدأ التسليم نهاية الأسبوع لترتاح الأسواق بعده بيومين او ثلاثة. وبالموازاة يعطي المصرف المركزي موافقات مسبقة، لنصبح امام تتابع قدوم البواخر الى لبنان.
وعن سبب انقطاع المازوت الذي هدّد عمل الافران والمستشفيات وسبّب تقنيناً في المولّدات، تؤكّد المصادر انّ الأزمة تطال البنزين كما المازوت، والمنشآة كما الشركات المستوردة تأخّر وصول بواخرها بسبب التأخّر بفتح الاعتمادات.
وأكّدت المصادر، انّ أزمة المحروقات ستطول ولا حلول قريبة، لأنّ الأموال تنضب، وعلى اللبنانيين ان يعتادوا انّ كل 10 الى 15 يوماً سنكون أمام خضّة جديدة. اضف الى ذلك، انّ نصف الشعب اللبناني بات يتاجر بالمحروقات، بنزين ومازوت على السواء، إما للتخزين بسبب الهلع، اما لبيعه في السوق السوداء، اما لتهريبه الى سوريا، بدليل انّ الشركات المستوردة للنفط لا تزال تغذّي الاسواق بنفس كمية المحروقات المعتمدة سابقاً.