شعار ناشطون

“سينما تدور”… صالة عروض متنقلة في تونس لتقريب الفن السابع من ‏الجمهور

18/12/24 12:40 pm

<span dir="ltr">18/12/24 12:40 pm</span>

من لا يستطيع الذهاب إلى السينما في مناطق نائية أو أحياء هامشية ‏بتونس قد تأتي إليه داخل شاحنة تضم صالة عروض متنقلة، في مبادرة ‏بعنوان “سينما تدور” تهدف إلى جعل الفن السابع في متناول الجميع.‏

 

تبدو البهجة واضحة على وجوه عشرات العاملات والعمال وهم يغادرون ‏شاحنة حمراء كبيرة متوقفة في مربد مصنعهم بمدينة جمال، بعد مشاهدة ‏الفيلم الفكاهي “بوليس” (شرطة) الأكثر شعبية حاليا في البلاد.‏

 

مِن هؤلاء، العامل المتدرب في مجال الميكانيك الالكترونية أمين الهاني ‏‏(23 عاما) الذي لم تُتَح له “فرصة الذهاب إلى السينما”، قبل أن يشاهد ‏الفيلم في شاحنة “سينما تدور” بالمدينة الواقعة شمال شرق تونس.‏

 

وداخل القاطرة الضخمة التي يبلغ وزنها 38 طنا، صُمِّمَت صالة ‏عروض مريحة تضمّ مئة مقعد.‏

 

يلاحظ الشاب الشغوف بالسينما أن “الشاشة أكبر والمؤثرات الصوتية ‏رائعة”، وهو المتعود على مشاهدة الأفلام على شاشة الهاتف أو ‏الحاسوب.‏

 

ويضيف “هي أيضا تجربة رائعة لأنني عشتها مع أصدقائي”.‏

 

لا تتوفر في تونس حاليا سوى 15 قاعة سينما معظمها في العاصمة، ‏ومدن بنزرت (شمال) وسوسة (وسط) وجربة (جنوب).‏

 

لسد هذا النقص، أطلق نشطاء في شبكة الفضاءات الثقافية “أكورا” ‏وجمعية “فوكوس قابس” مبادرة “سينما تدور”، بدعم من ممولين ‏يفضلون عدم كشف هوياتهم.‏

 

وتوضح مديرة المشروع غفران هراغي فكرته “كنا نبحث عن حل ‏للوصول إلى أكبر عدد من المشاهدين في أقصر وقت وبموارد قليلة، ‏لنمنحهم هذه التجربة السينمائية”.‏

 

في مدينة جمال، أعلنت شركة دراكسلماير الألمانية لأجزاء السيارات، ‏حيث تملك مصنعا، “منح تذاكر مجانية لعمالها وعائلاتهم وأصدقائهم ‏وكافة سكان المدينة و(ولاية) المنستير لعشرة أيام”، وفق مسؤولة ‏التواصل في هذه الشركة جيهان بنعمور.‏

 

يتراوح ثمن التذاكر في أقرب سينما بمدينة سوسة بين 10 و20 دينارا، ‏فضلا عن تكاليف النقل، وهو مبلغ ليس في متناول أسر يعيلها عمال ‏تراوح أجورهم بين 600 و1000 دينار (190 إلى 315 دولارا).‏

 

وتسعى الشركة الألمانية من خلال هذه المبادرة إلى “المساهمة في تنمية” ‏الجهات الأربع التي تنشط فيها والواقعة في مناطق نائية.‏

 

 

في غياب دعم عمومي، ببلد يعاني المديونية، أصبحت مثل هذه ‏الشراكات مع القطاع الخاص ركيزة “للنموذج الاقتصادي” لمبادرة ‏‏”سينما تدور”، على ما توضح مديرتها غفران هراغي.‏

 

ويتحمل القائمون عليها تكاليف قرض لشراء الشاحنة بحوالي مليون دينار ‏‏(300 ألف يورو)، ومصاريف العمل المختلفة بما يقارب 500 ألف ‏دينار سنويا.‏بعد بضعة أيام في جمال وصلت “سينما تدور” إلى حي هلال الذي يبلغ ‏عدد سكانه نحو عشرة آلاف ويبعد نحو خمسة كيلومترات عن وسط ‏العاصمة لكنه يعاني معدلات قياسية من الفقر والبطالة والانحراف.‏

 

تتزاحم مجموعات من الأطفال خلف الحواجز التي تفصلهم عن غرفة ‏العروض المظلمة، ومنهم الطفلة يمنى ورهاني (11 عاما) التي جاءت ‏برفقة خالتها وكانت متحمسة جدا.‏

 

وتقول “إنها المرة الأولى أقصد السينما، وأتحرق شوقا لأرى ماذا يوجد ‏داخلها”.‏

 

بدورها جاءت ربة البيت نجيبة حجي (47 عاما) برفقة أبنائها الأربعة ‏لاغتنام هذه الفرصة الفريدة حيث لا تستطيع تحمل مصاريف مرافقتهم ‏إلى السينما، ولم يسبق لها هي الأخرى أن ذهبت إليها.‏

 

وتعرب عن استيائها، إذ “لا يوجد أي شيء” في حي هلال، “لا دار ثقافة ‏ولا ترفيه، هناك الشارع فقط. أطفالنا ضائعون لا أحد يهتم بهم”.‏

 

وتتمنى لو تستقر الشاحنة المثيرة للشغف بشكل دائم في هذا الحي.‏

 

في غضون أشهر قليلة استقبلت هذه المبادرة “أكثر من 15 ألف ‏شخص”، بحسب غفران هراغي، من بينهم 7500 في واحة نفطة جنوب ‏البلاد حيث وفّرت مشاهدة الأفلام مجانا لمدة شهر بتمويل من أحد ‏مصدري التمور هناك.‏وفي حي هلال ترعى منظمة الصحة العالمية العروض لمدة 15 يوما، ‏تقام خلالها أيضا لقاءات توعية حول الصحة النفسية والتدخين والعنف ‏ضد المرأة والمخدرات، إضافة إلى حصص خاصة لتلامذة المدارس ‏وضعاف البصر أو السمع.‏

 

وتؤكد هراغي “ما يحفزنا هو التأثير الاجتماعي للثقافة وكسر الصور ‏النمطية وتغيير العقليات، وتقاسم قيم ومبادئ الانسجام الاجتماعي ‏والعيش المشترك”.‏

 

لتحقيق هذا “الحد الأقصى من الاندماج” يتم توظيف أطقم محلية عند كل ‏محطة، تعمل على “تنظيم الحشود وتهيئة الشاحنة وإدارة العروض”، كما ‏تشير هراغي.‏

 

وتختم معربة عن أملها، على المدى الطويل، في الحصول على تمويلات ‏‏”لشراء ست أو سبع شاحنات وضمان موعد دائم كل شهر” في كل ‏منطقة، ولم لا الذهاب أيضا إلى “الجزائر وليبيا أو حتى القيام بجولة في ‏أفريقيا”.‏

تابعنا عبر