جريدة الأخبار
بعد القضاء السويسري، تحلّ ملفات رياض سلامة أمام القضاء البريطاني. اسم حاكم مصرف لبنان بات صنواً للفساد والسرقة وتبييض الأموال. والأمر ليس محصوراً بمن يتهمهم سلامة بمعاداته لأهداف يقول إنها سياسية، بحسب ما يرد في وسائل الإعلام التي تدافع عن الحاكم ونموذجه الذي أدى إلى إفلاس القطاع المصرفي وسرقة أموال المودعين. فبعد الادعاء العام السويسري، تتجه مؤسسة «غرنيكا 37» البريطانية إلى تقديم ملف إلى السلطات البريطانية، مطالبة بالتحقيق مع سلامة وعددٍ من أفراد عائلته، بجرائم الاختلاس وتبييض الاموال. وقد أعدّت المؤسسة تقريراً من 76 صفحة، جمعت فيه معلومات عن سلامة وابنه وشقيقه رجا ومساعدته ماريان الحويك، إضافة إلى صهره السابق شفيق أبي اللمع. واعتبرت المؤسسة أن هؤلاء الأفراد كانوا يعملون معاً كعصابة، متهمة سلامة بتنظيم مخطط احتيال أدى إلى انهيار القطاع المصرفي اللبناني، ومعه كامل الاقتصاد.
التقرير المصنّف «سرّي» أُعِدَّ بناءً على طلب شخص اسمه نديم متّى، يُعتقد أنه رجل أعمال أميركي – لبناني، يعيش في العاصمة الاميركية واشنطن، وسبق أن عمل في مكتب الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) في لبنان، وفي منظمة «Save the Children»، وقد صمّم أحد برامج عمل الأخيرة.
وسبق لمؤسسة «غرنيكا 37» البريطانية أن أعدّت قبل أسابيع ملفاً جرى تقديمه إلى القضاء البريطاني، من أجل ملاحقة أسماء الأسد، زوجة الرئيس السوري بشار الأسد. وأُعِدّ التقرير الخاص بسلامة بواسطة فريق من المؤسسة يقوده توبي كادمان، أحد مؤسّسيها الذي سبق أن عمل في مجالات ما يُسمى «العدالة الدولية»، وكارل باكلي الذي يعمل في لجنة إدارة «غرنيكا 37»، وهو محامٍ في إنكلترا وويلز.
وتستند المؤسسة في طلبها ملاحقة سلامة في المملكة المتحدة إلى أن عدداً من الشركات التي يملكها ابنه، أو أدارها، مسجّلة في بريطانيا، متحدّثة عن أن تقريرها هو الأول، لكنه لن يكون الأخير.
وضمّنت «غرنيكا 37» تقريرها مقدمة عن الاوضاع السياسية في لبنان، ويتبنى في بعض فقراته سردية الدول الغربية والخليجية للأحداث السياسية والأمنية اللبنانية. ومن المنتظر أن تُعلن المباشرة بملاحقة سلامة أمام القضاء البريطاني في الأيام المقبلة، ورفع السرية عن التقرير.
وكان المدعي العام الفدرالي السويسري قد طلب مساعدة النيابة العامة التمييزية في لبنان، لمساءلة سلامة، وشقيقه رجا، بشبهة الاختلاس من مصرف لبنان وتبييض الاموال. وقد استمع النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات إلى حاكم مصرف لبنان الذي أبلغه أنه سيمثل أمام النائب العام السويسري، لكن لم يُعرف إذا ما كان عويدات قد استجوب رجا سلامة وماريان الحويك التي يصفها طلب النيابة العامة السويسرية بأنها في منزلة بين الشاهد والمشتبه فيه.
عودة الإملاءات الفرنسية
على صعيد آخر، عاد «الاهتمام» الفرنسي بلبنان واستؤنفت الاتصالات مع الرؤساء الثلاثة في إطار الضغط لتأليف الحكومة. هذه الخطوة استتبعت ببيان من الخارجية الفرنسية يُذكّر بأيام الانتداب بما حمله من تهديد وتلويح بعقوبات وإجراءات أخرى من الاتحاد الأوروبي في حال عدم الانصياع. تزامن ذلك مع استمرار الجمود الحكومي الذي لا يخرقه سوى الردود والردود المضادة بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف.
المؤسسة البريطانية التي أعدّت التقرير ضد سلامة سبق أن أعدّت ملفاً لملاحقة أسماء الأسد
استأنفت فرنسا مساعيها التي بدأتها غداة انفجار مرفأ بيروت، في محاولة أخرى للضغط على القوى السياسية المشاركة في تأليف الحكومة، وهو ما ترجم بمباحثات أجراها وزير أوروبا والشؤون الخارجية إيف لودريان مع رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس مجلس الوزراء المكلف سعد الحريري. وبلغة الوصيّ على لبنان، تحدث بيان صادر عن وزارة الخارجية الفرنسية عن «وجوب إنهاء التعطيل المتعمّد للخروج من الأزمة فوراً، ولا سيما من جانب بعض الفاعلين في النظام السياسي اللبناني، من خلال مطالب متهورة وقديمة العهد»، مُحمّلاً «القوى السياسية اللبنانية ككل، المسؤولية الكاملة عن هذا المأزق». لم يتوقف التدخل الفرنسي هنا، بل تضمن البيان تهديداً ضمنياً بعقوبات وإجراءات لمعاقبة المعطلين؛ إذ أشار لودريان الى «التفكير الذي بدأ بمبادرة منه الأسبوع الماضي مع نظرائه الأوروبيين، بهدف تحديد الاتحاد الأوروبي السبل للضغط على المتسببين في هذا التعطيل المستمر منذ 7 أشهر». ورأى أن الحل لإخراج لبنان من الأزمة هو «بتأليف حكومة كفوءة، جاهزة للعمل بجدية للصالح العام، لتنفيذ إصلاحات معروفة من الجميع. هذه مسؤولية كل القوى السياسية اللبنانية التي التزمت بها أمام رئيس الجمهورية الفرنسية». كلام لودريان لم يحظ بتعليق أي من الرؤساء الثلاثة.
على مقلب آخر، ما زالت الردود والردود المضادة تطغى على علاقة عون- الحريري، ما يعني أن لا خرق في المشهد الحكومي. فبعد المقابلة الصحافية التي أجراها عون مع صحيفة «الجمهورية» أمس، وجدّد فيها نفيه للمطالبة بالثلث المعطل، متحدّثاً عن غرابة أطوار الحريري، أجاب الأخير بتغريدة قال فيها: «الرسالة وصلت ولا داعي للرد، ونسأل الله الرأفة باللبنانيين». هذه الحال معطوفة على العجز الاقتصادي والانحدار الاجتماعي، دفعت برئيس الحزب التقدمي الاشتراكي الى الإعراب عن خوفه اليوم من الفوضى أكثر من الماضي، «عندما أتذكر الـ1975 وكيف انزلقنا إلى الحرب». وبشأن المطالبة باستقالة رئيس الجمهورية، قال جنبلاط: «أنا ضدّ المطالبة باستقالة الرئيس عون، والأهم كيف نزيل سوء التفاهم بينه وبين الحريري لنتمكن من تشكيل حكومة». وأضاف: «بعد زيارتي الأخيرة لعون، هناك من دخل على خط التسوية وأسقطها، الـego عند البعض أسقط التسوية»، مشيراً إلى أن أحداً لم يعد يطيقه بعد مبادرته الأخيرة، أي زيارته لقصر بعبدا. من جهة أخرى، رأى جنبلاط أن «الثورة لم تضع برنامجاً واضحاً لاستبدال النظام»، وأن «هناك عناصر مخربة من كل الجهات وكذلك سفارات»، معتبراً أن «عون لم يأت بالباراشوت ونحن من انتخبناه». أما إمكانية خلاص لبنان، فيربطها رئيس الحزب الاشتراكي بـ«جهد داخلي مشترك، لأن هناك عدة وجهات نظر حول لبنان، وليس هناك اتفاق أكثر من أي وقت مضى على أي لبنان، لذلك هناك هذا التشابك المحلي والدولي. في الماضي كان هناك إجماع عربي على لبنان، وكان هناك استقرار عربي، أما اليوم فهناك فوضى عربية ودولية، وفقط فرنسا مهتمة بلبنان».