منير الربيع – المدن
لم تمر تغريدة السفارة الإيرانية حول وصول بواخر محملة بالمحروقات إلى لبنان في سياق عادي، أو في إطار الخطأ العابر. سريعاً تم تصويب الكلام بأنه ليس إعلاناً عن وصول السفن حقاً، بل هو في إطار الردّ على ما قالته السفيرة الأميركية في لبنان، دوروثي شيا، بهدف تكريس طابع الانقسام بين الشرق والغرب حول لبنان (“الولايات المتحدة كانت وستظل إلى جانب الشعب اللبناني، لكن إيران تنظر إلى لبنان كدولة تمكنها من تنفيذ أجندتها”).
إيران- العراق- تركيا
جاءت تغريدة السفارة الايرانية (“وصول الناقلات الإيرانية بغنى عن تفاهات السفيرة الأميركية”)، بعد أقل من أربع وعشرين ساعة على كلام أمين عام حزب الله، السيد حسن نصر الله، والذي أكد مجدداً استعداد طهران لتزويد لبنان بالمحروقات، بالليرة اللبنانية. كما أكد استعداد شركات دولية عديدة للمجيء إلى لبنان والاستثمار بالنفط والكهرباء فيه أيضاً. وهو كان يقصد روسيا.
في هذا الوقت جاءت زيارة الرئيس سعد الحريري إلى تركيا، في ظل تطورات متعددة، أولها إصلاح العلاقات التركية العربية، وفي يوم إطلاق أردوغان لمشروع حفر قناة اسطنبول. وهذا قد يكون مرتبطاً بالتمهيد للتعاون بين لبنان وتركيا في المرحلة المقبلة، سواء من الناحية النفطية أو من خلال طلب المساعدة في قطاع الكهرباء، بما أن نصر الله أعلن عن الاستعداد لإنشاء معامل إنتاج كهرباء في الزهراني وطرابلس.
في السياق السياسي العام لا بد من التعاطي بجدية مع كلام نصر الله. وهنا لا بد من العودة إلى العام 2016، أي بعد توقيع الاتفاق النووي بين إيران والولايات المتحدة الأميركية، ورفع العقوبات عن طهران. في تلك الفترة كانت إيران تسعى إلى توريد الغاز والنفط من آبارها عبر سوريا والعراق إلى تركيا، وكان لديها مسعى لاستخدام خط الأنابيب النفطي الذي يربط آبار النفط العراقية بمصفاتي طرابلس بالشمال، و”الزهراني” في الجنوب، من أجل ضخ النفط الإيراني، بعد ربط الأنبوب القائم حالياً بآبار إيرانية. حالياً، تغيرت قواعد كثيرة خصوصاً في العراق، إنطلاقاً من التحالف الذي ينشأ بين مصر والعراق والأردن برعاية أميركية وخليجية، كي لا تبقى إيران وحدها قادرة على التفرد بالساحة العراقية.
أرباح مالية وسياسية
في تلك الفترة أيضاً، أبدت إيران استعدادها للعمل على إصلاح وترميم مصافي النفط في لبنان، خصوصاً أن نجاح هذا المشروع سيعود بالإيجابيات على الوضعين الاقتصادي والمالي. وأعدت طهران مشروعاً إيرانياً جاهزاً لإعادة ترميم المصافي، المعطلة منذ عقود، على أن يتم استخدام المصافي اللبنانية ليس فقط للتوريد، بل لتكرير النفط الخام. قبل ذلك، وتحديداً في العام 2010، قدّمت إيران مشاريع عديدة من أجل إعادة تأهيل مصفاتي طرابلس الزهراني، في المرحلة التي كان يتولى فيها الوزير جبران باسيل وزارة الطاقة.
لا يخرج كلام نصر الله قبل يومين عن هذا السياق أبداً. خصوصاً أنه منذ أكثر من سنة يدعو لبنان إلى التوجه شرقاً. في العام 2018 حصلت روسيا على امتياز لتأهيل مصافي النفط في طرابلس. ولذلك ركّز نصر الله على ضرورة العمل على إنشاء معملي كهرباء بشكل سريع في الزهراني وفي البداوي أيضاً، من دون إغفال مسألة وجود خطيّ النفط، الأول إلى الزهراني، والثاني إلى طرابلس.
يندرج كلام نصر الله في إطار البعد الاستراتيجي السياسي. وهو أراد تدعيمه بإعلانه مراراً أن طهران جاهزة لبيع النفط للبنان بالليرة اللبنانية. ووراء ذلك جملة أهداف. الأول، أن تتحول ربما هذه الأموال إلى حزب الله، وبذلك تخفف طهران الأعباء المالية عنها. والثاني أن طهران من خلال هذا المشروع ستكون قادرة على تحقيق أرباح مالية وسياسية هائلة، خصوصاً أن في لبنان محطات لتكرير النفط لكنها معطلة منذ الحرب الأهلية. وبحال إصلاحها ستكون إيران في عداد كبار المستفيدين لتوريد النفط الإيراني المكرر.