تقيم غاليري Escape معرضاً للفنانة رينيه فوّاز يضم مجموعة من الأعمال ذات الأحجام المتوسطة، والمشغولة بمادة الأكريليك. أطلقت فوّاز على معرضها تسمية “خفايا اللون” Chromatic Mysteries، وهو يضم لوحات ذات أسلوب تجريدي، كانت الفنانة اعتمدته، أكثر من سواه، خلال السنوات الأخيرة.
يقول الفنان الهولندي تيو فان دوسبيرغ (1883- 1931)، الذي كان أيضاً معماراً ومنظّراً في الفن: “إن التجريد ليس له صلة بالظواهر الخارجية، ولا يتضمّن أي تذكير بالواقع المرئي، أو أي إشارة إليه، سواء أكان هذا الواقع منطلقاً للفنان أو لم يكن”.
في هذا المجال، قد يكون من المناسب الإشارة إلى أن الفن التجريدي يسعى إلى تخطّي الصورة والتمثيل الصوري، رافضاً المحاكاة والتقيّد بالمنظورأو الطبيعة، التي كانت التيارات الفنية تدعو إليه منذ ما يزيد على المئة عام، داعياً إلى تخطّيها، أو السيطرة عليها بواسطة إشارات ورموز، بدلاً من الغوص فيها أو التوقف عندها. إن العمل التجريدي، بحسب أشكاله المختلفة، إذ لم يذهب أتباعه في طريق واحد، يعبّر، بحسب وجهة نظر معيّنة، عن تحرر الفنّان من تمثيل الأشياء، كما نراها في الطبيعة. عليه، لا تتطلّب منتجات هذا النهج من المشاهد البحث عن الأشياء المادية، التي اعتاد رؤيتها، والتي يمكنه التعرّف إليها.هذه “القواعد”، غير المنصوص عليها حرفياً، أو في شكل قاطع كما هي الحال في الفنون الأكاديمية، هي ذات طابع نسبي، لذا يمكن معاينة تأثيراتها في أعمال رينيه فوّز، وذلك على طريقتها الخاصة. وإذ يشرّع التجريد الأبواب على مصراعيها، كونه لا يلتزم شروطاً محددة، فيبدو أن فوّاز تذهب في اتجاه الحدس أكثر من سواه، وهي تقول في هذا المجال: “حين أشرع في الرسم (التصوير) لا أعلم تماماً إلى أين أنا ذاهبة. أفسح المجال للحدس. هناك تبادل في الموقف بيني وبين القماشة البيضاء التي تتخذ شكلاً ما، وتبدأ بالتكوّن شيئاً فشيئاً في عملية بحث دائم عن التناغم والإيقاع والتوازن والقيم اللونية والتأليف”. هذه العملية، قد تأخذ وقتاً ولا تستتب أمور القائم بها بسهولة (كما قد يُخيّل للبعض)، مما قد يوقع الفنانة، كما تقول، في ما يشبه الكرب، الذي يصيب الصانع حين لا يصل إلى هدفه المنشود منذ المحاولات، أو اللحظات الأولى. في مواقف من هذا النوع يتسرّب الشك إلى النفس، ويشعر الفنان بأنه محاصر في شرك يصعب الخروج منه. هذا الأمر يدفع الفنانة إلى ترك المنتج جانباً، من أجل العودة إليه في وقت لاحق، ضمن حالة ذهنية أكثر صفاء، وهذا أحد الحلول التي لا تقتصر على فوّاز، بل ينسحب على العديد من العاملين في مجال الفن.
وعلى الرغم من أن البعض ينتقد الفن التجريدي في اعتباره فوضويًا وغير تقني، إلا أن هذه الأعمال تلهم الفكر والتأمل بالنسبة لآخرين، وحتى الاتصال الروحي. وإذ يسعى الفنانون من جميع الأنماط، ومنذ فترة طويلة، للتعبير عن فرديتهم في أعمالهم، فإن الفن التجريدي يسمح للفنانين باستكشاف موضوعات معقدة بطرق فريدة ومبتكرة. هاتان الفكرتان، أكانت تلك المتعلّقة بالتأمل والبعد الروحي، أم المتّصلة بالموضوعات التي يطغى عليها الطابع الشخصي والخصوصية الذاتية، يمكن ملاحظتهما لدى رينيه فواّز، وهي التي تدرك أنه ليس هناك، في نهاية المطاف، طريقة صحيحة أو خاطئة لتفسير الفن التجريدي. إن كل ما يهم الفنان هو الشعور الذي يكتنف المشاهد أمام اللوحة اللوحة التجريدية، وهذا الشعور ليس واحداً ومتفقاً عليه، كما هو معروف، إذ يتعلّق بشروط وموجبات تختلف من شخص إلى آخر. تنظر رينيه فوّز، في أعمالها، إلى الأشياء من حيث هي ألوان. لقد وجدت فيها “سلطة الموسيقى” (التعبير يعود لفاسيلي كاندينسكي). تقول في هذا المجال أن الموسيقى تلعب دوراً مفصلياً فيما تصنعه، فهي ترشدها إلى دروب اللون، ما يشير إلى ما يشبه العلاقة العاطفية باللون، الذي عُرف عن “الأورفية” Orphisme، ذات الجذور الإغريقية، المستندة إلى أشعار أورفيوس، والتي تحوّلت تياراً فنياً في بدايات القرن الماضي، كان ضم مجموعة من الفنانين، وعلى رأسهم روبير وسونيا دولوني. هكذا، يمكن ملاحظة الدرب الذي تخوضه رينيه فوّاز، من طريق الشعور أكثر منه من الطريق النظري (وهي عملية معقّدة نظرياً وعرضة لكثير من الجدال)، وذلك في تحرير التصوير من عبء التمثيل الصوري، فهي تستنبط نوعاً من الرموز المعبّرة عن ضرورة داخلية، إذ جعلت من اللون هدفاً وغاية، بعد أن فصلته عن المرئيات، وحوّلته إلى رسالة إتصالية عاطفية.