منير الربيع – المدن
روسيا بين سوريا ولبنان
وتعلم موسكو أن نفوذها قوي في سوريا. لكنها تواجه أزمة حقيقية في إعادة تعويم النظام وإنتاجه. فما لم يخسره نظام الأسد في الحرب، يمكن أن يخسره في الاقتصاد.
ومن الواضح أن أشرس المعارك التي تخوضها موسكو، لتجميع أكبر كم من المواقف والقوى إلى جانبها، هي لمجابهة قانون قيصر الأميركي. فأي دولة أو شركة تحاول الدخول والعمل في مشروع على الأراضي السورية، تتعرض للعقوبات.
وهاجس روسيا الاقتصادي في سوريا، لديها مثله في لبنان أيضاً. هي تحاول ترتيب مفاوضات غير مباشرة بين النظام السوري وإسرائيل – تارة بمفاوضات حول الجولان، أو لضبط الوضع الأمني والعسكري، وطوراً لتبادل أسرى أو بحثاً عن جثة إيلي كوهين – كمدخل روسي وسوري لاستعادة بعض العلاقات أو الدور. ولكن الانهيار الاقتصادي والمالي السوري هو ما يهدد المشروع الروسي. وهذا قابل لأن ينعكس ويتكرر في لبنان أيضاً.
اللاجئون هاجس روسيا
وحسب المعلومات، يشكل الوضع اللبناني أولوية روسية في هذه المرحلة. فاللقاءات التي عقدها مسؤولون روس مع مسؤولين لبنانيين، عبّر الروس فيها عن خشيتهم من تطورات أمنية أو عسكرية على الساحة اللبنانية، بفعل الانهيار المالي والاقتصادي. وهو انهيار قابل لأن ينعكس سلباً على الوضع السوري، والعكس صحيح أيضاً. فموسكو تعلم أن لبنان هو حديقة سوريا الخلفية، مهما تغيرت الظروف والأحوال. وما يجري فيه ينعكس على سوريا والعكس صحيح.
وتحرص روسيا على علاقة ممتازة مع كل القوى اللبنانية. وكان مدخلها إلى لبنان واضحاً: اللاجئون السوريون، وعقد مؤتمر في سوريا يشارك فيه لبنان للبحث في عودتهم. وهي كانت تحضِّر لعقد مؤتمر على الأراضي اللبنانية يناقش إعادة اللاجئين، ولكنه أُجِّل لأسباب كثيرة، أهمها دولية: عدم توفر التوافق الدولي على عودة اللاجئين، في ظل عدم الاتفاق على الحل السياسي في سوريا.
على خط مبادرة فرنسا
وحالياً، توسع موسكو علاقاتها بالقوى اللبنانية. وهي تحاول أن تكون فاعلة في معضلات لبنان الداخلية، عبر مساندتها المبادرة الفرنسية، وتكاملها معها على خطّ تشكيل الحكومة، للحفاظ على الحد الأدنى من الاستقرار في لبنان.
وهذا ما تبحثه روسيا مع رئيس الجمهورية وممثلين عنه، ومع الرئيس سعد الحريري، بينما تواصلها مستمر مع الرئيس نبيه برّي ووليد جنبلاط. ويوم الإثنين المقبل يتوجه وفد من حزب الله إلى موسكو. وحسب المعلومات، بدأ التحضير لهذا اللقاء قبل حوالى الشهر. وتحديداً لدى زيارة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى موسكو. فخلال تلك الزيارة أثير الملف اللبناني مع ظريف، فنصح الروس بالتواصل مع حزب الله.
ومنذ ذلك الحين نشطت اتصالات روسية مع القوى اللبنانية المختلفة، للدفع في إزالة العقبات أمام تشكيل الحكومة. وروسيا تؤيد سعد الحريري منذ اليوم الأول لتكليفه. ولكن على أساس حفاظه على علاقته بحزب الله، وعدم دخوله في مواجهة معه، قد تؤدي إلى توتير الأجواء السياسية. فموسكو تريد الاستقرار في لبنان.
نظرتان إلى روسيا
وللتحرك الروسي قراءتان مختلفتان، ولكنهما تلتقيان في نقطة أساسية: لا تمتلك روسيا قدرة على إحداث تغيير في المعضلة اللبنانية، بلا توافقها مع الأميركيين والسعوديين. وكان ذلك مقتل المبادرة الفرنسية. وروسيا لا تريد تكرار الفشل الفرنسي.
أما تباين القراءتين فيتجلى في أن جهات تراهن على تنمية العلاقات الروسية – الخليجية، وانعكاسها على لبنان لصالح خصوم حزب الله بشكل أو بآخر. سواء أتعلق الأمر بأمن إسرائيل، أو بمحاولات إعادة النظام السوري إلى الحضن العربي بعيداً عن إيران. وهذه النظرة ترى تضارباً بين المصالح الإيرانية والروسية في لبنان كما في سوريا. وهذا مرتبط بملف أساسي تُستحضر روسيا إليه دوماً: ترسيم الحدود اللبنانية – السورية، وضبط المعابر التي يستخدمها حزب الله، ويرى أصحاب هذه النظرة أنها تستنزف سوريا ولبنان.
أما النظرة الثانية فتعود إلى الطرف الذي يراهن على استمرار التفاهم الاستراتيجي بين روسيا وإيران والنظام السوري. وهي نظرة ترى أن هذه العلاقة لا يمكن لها أن تصاب بتعارض كبير، مهما بلغت الخلافات.
لكن الأرجح أن الحركة الروسية لن تؤدي إلى تحقيق تقدم على خطّ الأزمة اللبنانية، المالية والاقتصادية والسياسية. فمثل هذه الأزمات تعني روسيا، لكنها لا تقوى على حلها. ولذا هي مرشحة للاستمرار. وآفاق تشكيل الحكومة مسدودة، وكذلك الحصول على مساعدات.
الانهيار فصوله مستمرة، إذاً. وسيكون لبنان مرتبطاً أكثر بالإيقاع السوري في المرحلة المقبلة.