شعار ناشطون

رحيل جورج قرم… تنويري سعى إلى “كسر النرجسية اللبنانيّة”

15/08/24 09:10 am

<span dir="ltr">15/08/24 09:10 am</span>

توفي المفكر اللبناني ‎جورج قرم عن عمر يناهز 84 عاماً. وكان قرم خبيراً اقتصادياً ومستشاراً لدى مؤسسات دولية وشركات ومؤسسات مالية ومصرفية خاصة وعامة. لكن يطغى على تعريفه في وسائل الإعلام بأنه وزير المالية السابقة في حكومة سليم الحص في أواخر التسعينات.

 

ولد قرم في الإسكندرية المصرية الكوزمبوليتية العام 1940، وكان آخر عنقود العائلة بعد صبيين وفتاة (سيرج- جوزف- وناديا). لم يلائمه مناخ الإسكندريه لأنه يعاني من الربو، فاضطر أهله الى الإنتقال الى القاهرة، وهناك كان شديد التعاطف مع المدّ الناصري. فالخطاب المعادي للإمبريالية لدى ناصر نال إعجابه. مكث قرم في القاهرة حتى العام 1957 وكان يزور لبنان سنوياً ويقصد مسقط رأسه، غوسطا، في كسروان. والدته ماري بخيت، تنتمي إلى عائلة لبنانية وسورية الأصل كانت قد استقرَّت في مصر منذ عقود. وجدُّه كان رائد فنّ الرسم في لبنان، درس واشتهر في روما، ودُعي لإنجاز بورتريهات لشخصيات شهيرة، بينها واحد للبابا، وآخر لملك بلجيكا، وثالث للخديوي عباس حلمي الثاني.

 

والده كان رساماً أيضاً، إلى جانب كونه عازف بيانو ماهراً، وهو من مؤسسي المتحف الوطني، والكونسرفاتوار اللبناني. كرّس والده حياته لفنه ولقدراته الفنية، وكان كلما سعى إلى دخول عالم التجارة، خسر أمواله. وفي الأعوام الثلاثين الأخيرة من حياته، كرس نفسه للرسم بشكل يومي، حتى توفى أثناء رسم بورتريه كبير لإحدى شخصيات النهضة اللبنانية هو يوسف السودا. وعمّ الراحل جورج، هو شارل قرم صاحب “المجلة الفينيقية” وديوان “الجبل الملهِم”، وكان من دعاة القومية اللبنانية.تلقى قرم دراسته في “مدرسة العائلة المقدسة للآباء اليسوعيين” في القاهرة. ثم تأثرت دراسته بالأوضاع المالية لعائلته. وقال قرم عن ذاك الزمن: “كانت لدي حياة موسيقية صاخبة، خضت معركة مع الوالد من أجلها، كنت أرغب في تكريس حياتي لعزف البيانو، كنت معجباً بالبيانو إلى أقصى درجة، وقد ذهبت إلى فرنسا والتحقت بالمدرسة العليا للموسيقى في باريس-الكونسرفتوار، لكني اضطررت إلى ترك هذا المسلك لأن الأوضاع المادية للعائلة كانت قد تدهورت، فكان من الضروري أن أتمكن من تأمين حاجاتي بالعمل، فقررت أدرس القانون والعلوم السياسية، وهذا ما فعلته”.

 

درس قرم في معهد العلوم السياسية-الفرع الإقتصادي في باريس، ونال إختصاصاً في “المالية العامة والقطاع العام” في العام 1961. كما نال إجازة في القانون المدني والتجاري وتفوّق في أطروحة إستحق عليها دكتوراه دولة في القانون الدستوري وموضوعها: “تعدد الأديان وأنظمة الحكم”. واعتبر أنّها ساعدته في “كسر النرجسيّة اللبنانيّة” والصّور النّمطيّة القائلة بأن لبنان وحده بلد التّعايش والتّسامح، لا سيّما أنّ هذا التّعايش لا يظهر راهنًا في ظلّ الانقسام المذهبيّ والطّائفيّ الحاصل، وثمة بلاد كثيرة متعددة في شرقنا، الهند نموذجها الأسطع.

 

والكاتب المفتون بالموسيقى الذي يحمل في رصيده أكثرَ من 25 مؤلَّفًاً، تأثر بالصحافي جورج نقّاش، والأب يواكيم مبارك، والدكتور حسن صعب. وكوّن أفكاره الإسلامية من خلال قراءة مؤلّفات أحمد الأمين وطه حسين وعلي عبد الرازق. وعلى صعيد الفلسفة السياسية، تأثّر جدًّا بالدّكتور ناصيف نصّار، والتنويريين العرب والتنوير الأوروبي. يقول: “لقد تأثرت مسيرتي الفكرية بعد ذلك كثيراً بمطالعتي لكارل بوبر وتنديده بالفكر الشمولي الذي تكمن جذوره في رأيه لدى أفلاطون وهيغل وماركس. كما تأثرتُ الى أبعد الحدود بفكر حنة آرندت، لا سيما أعمالها حول الإمبريالية والثورة الأميركية المغدور بها، فضلاً عن قراءتي المكثفة للعديد من المفكرين العرب، لا سيما منهم بطبيعة الحال ابن خلدون”.

 

من مؤلّفاته: السياسة الاقتصاديّة والتصميم في لبنان (1965)، تعدّد الأديان وأنظمة الحكم (1971)، أوروبا والمشرق العربي، من البلقنة إلى اللبننة: تاريخ حداثة غير منجزة (1990)، النزاعات والهويّات في الشرق الأوسط (1992)، انفجار المشرق العربي (1999)، شرق وغرب: الشرخ الأسطوري (2002)، المسألة الدينيّة في القرن الحادي والعشرين (2007)، تاريخ الشرق الأوسط من الأزمنة القديمة إلى اليوم (2007)، تاريخ أوروبا وبناء أسطورة الغرب (2009).

 

كتب عنه موقع “مؤمنون بلا حدود” أن كتاباته غلب عليها السعي إلى فهم العالمين العربي والغربي وتحليل إشكالياتهما، وهو ما عبّر عنه مثلاً في مقدّمة كتابه “تاريخ أوروبا وبناء أسطورة الغرب”، إذ يقول: “منذ سنين طفولتي عندما وعيت بأنّ الدنيا مقسّمة بين “نحن الشرقيّون” و”هم الغربيّون”؛ وقد أزعجني هذا التقسيم الذي أخذ يتصاعد طوال حياتي، حتّى أصبح العالم يضجّ مؤخّراً بطروحات صراع أو حوار الحضارات، بالإضافة إلى تعدّد الحالات حيث يُوظّف الدين في زيادة التوتّرات السياسيّة والحروب والغزوات، التي قامت بها كلّ من الولايات المتّحدة والكيان الصهيوني.. ومنذ سنين دراستي للقانون والاقتصاد بباريس، كنت أتضايق كثيراً من النرجسيّة في الثقافة والعلوم الإنسانيّة الغربيّة ونظرة التعالي، بل والازدراء في كثير من الأحيان، بالنسبة إلى حضارات الشعوب الأخرى ومؤسّساتها وعاداتها..” (قرم، 2011، ص 7).

 

تعمَّد قرم تكثيفَ الكثير من مقولاته حول مشكلات بناء الدولة والمُجتمع في لبنان، فانتقد “النرجسية اللبنانية التي لا حدود لخيالها في أن لبنان فريد في العالم، هذه النرجسية قتلت لبنان وما زالت تقتله، وإن لم نخرج منها فلا مستقبل لنا”. ورأى ان “النرجسية تصل الى حد القول: أنا أحسن منك، طائفتي احسن من طائفتك، جماعتي أحسن من جماعتك”. وتساءل “اين هذه التعددية اللبنانية أمام تعدديات أخرى مثل سنغافورة أو الهند، أو غيرها، لم نكن كياناً مستقلاً أبداً، كانت هناك خضات وحرب أهلية، وذلك يعود الى طبيعة الدولة اللبنانية كما ركذبها الفرنسي بمساهمة انكليزية، أي أن يكون لبنان حاجزاً يؤمن مصالح الدول الكبرى وفصله عن سوريا مع ما يحمله ذلك للبنان”.

تابعنا عبر