افتتح مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان المؤتمر العلمي الدولي بعنوان: “دور التنمية المستدامة في إعمار وبناء المجتمعات – سبل تفعيلها وتطبيقها من منظور أخلاقي وإنساني” الذي اقيم في قاعة مؤتمرات مؤسسات أزهر البقاع، في حضور شخصيات سياسية ودينية وفكرية وعلمية وعسكريةواجماعية وتربوية.
وقال المفتي دريان: “يسعدني أن أكونَ بينكم اليوم مع هذا الحضور الراقي والمميز، المشارك في هذا المؤتمر المبارك في افتتاحيته وفعالياته” .
أضاف:”عرفت التنمية المستدامة بأنها : الأعمال التي تهْدف إلى استثمار الموارد البيئية ، بالقدر الذي يحقق التنمية ويحد من التَلوث ، ويصون الموارد الطبيعية ويطورها ، بدلا من استنزافها ومحاولةِ السيطرةِ عليها . وهي تنمية تراعي حق الأجيال القَادمة في الثرواتِ الطبيعيةِ للمجالِ الحيويِّ لكوكبِ الأرض ، كما أنها تَضَعُ الاحتياجاتِ الأساسيةَ للإنسانِ في المَقامِ الأوَّل ، فأولويَاتُها هي تلبيةُ احتياجاتِ الإنسانِ من الغِذاءِ والمَسْكنِ والمَلْبَسِ ، وحق العمل والتعليم ، والحصول على الخدمات الصحية ، وكل ما يتصل بتحسين نوعيةِ حياتِه الماديةِ والاجتماعية . وبما يضمنُ حقوقَ الأجيالِ المُقبلةِ في المواردِ البيئية .وتتمثل أهداف التنمية المستدامةِ في تحسين ظروف المعيشةِ لجميع سكان العَالم ، وتوفير أسباب الرفاهية والصحةِ والاستقرارِ لكل فرد.
ولقد اهتمّ الإسلام بكل أبعَاد التنميةِ في أحكَام سديدة، وتوجيهات رشيدة ، وإشارات هادية ، فالتنمية عموما ، عبر عنها القرآن الكريم بمصطلح (الإعمار) وفي ذلك يقول الله عز وجل : ﴿هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا﴾.
وحث ورغب الإسلام على الاستفادةِ من خَيْراتِ الأرضِ، وقد جاءَ ذلك في آياتٍ عديدةٍ من القُرآنِ الكَريم ، تقرر أن اللهَ خلقَ المواردَ وسَخرَها لخَلْقِه جميعا ، قَالَ تعالى ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً﴾ ، وسَخَّرَها لهُم ، قَالَ تعالى : ﴿وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ ، والتسخير هو تَمْكينُ الإنسانِ من الانتفاعِ بالمَوَارِد ، بأن جَعلَهَا الله في متناولِ يدِ الإنسانِ ، ونطاقِ عَقْلِه وقُدْرَتِه” .
تابع: “تقوم التنمية على ثلاثةِ عناصرَ أساسية هي : الاقتصادُ والمجتمعُ والبيئة ، وهي عناصرُ مرتبطةٌ ببعضها في نسيجٍ مُتَشَابكٍ ، إذ يقومُ كلٌّ منها على الآخرِ ويُكَمِّلُه ، ولا مناص من ضرورة تحقيق التوافق والانسجام بينها لإنجاح عملية التنمية . وعلى الرغم من حَدَاثةِ مصْطلحِ (التنميةِ المستدامة) فإن مفهوم التنميةِ ليسَ بجديدٍ على الإسلامِ والمسلمين. فقدْ حَفِلَ القرآنُ الكريمُ والسنةُ النبويةُ المطهرَةِ بالعديدِ من النصوصِ التي تُمثِّلُ الركائزَ الأساسيةَ للتنميةِ من منظورٍ إسلامي ، وتضعُ الضَوابطَ التي تَحْكُمُ علاقةَ الإنسانِ بالبيئة – بل وبالأرضِ والكونِ كلِّهِ – من أجلِ ضَمَانِ اسـتمراريتِها صالحةً للحياةِ إلى أنْ يأتي أمرُ الله .
ومنَ الجديرِ بالذكرِ أن مفهومَ التنميةِ في الإسلامِ أكثرُ شمولاً ، فالنظرةُ الإسلاميةُ الشاملةُ للتنميةِ تُوجِبُ ألاَّ تَتُمَ هذه التنميةُ بمَعْزلٍ عن الضوابطِ الدينيةِ والأخلاقية، وفي الوقتِ نفسِه ، فإن هذه النظرة تُعْنَى بالنَّواحي الماديةِ ، جَنْبَاً إلى جَنْب مع النواحي الروحيةِ والخُلُقِيَّةِ ، فلا تقتصرُ التنميةُ المستدامةُ على الأنشطةِ المرتبطةِ بالحياةِ الدُّنيا ، وإنما تمتدُ إلى الحياةِ الآخرةِ ، بشكلٍ يضمنُ تحقيق التوافقِ بين الحياتين ، ويجعلُ صلاحيةَ الأولى جسرَ عبورٍ إلى النعيمِ في الحياةِ الآخرةِ. وغاياتُ التنميةِ في المنظور الإسلامي تتجهُ نحوَ تحقيقِ العبادةِ للهِ وحدَه ، بتعميرِ الأرضِ بمنهجِهِ ، وتحقيقِ الحياةِ الطيِّبَة للبشرِ في الدنيا، من خلالِ حفظِ المقاصدِ الخمسةِ – الدينِ والنفسِ والعقلِ والنَسْلِ والمَال- والسَّعْيِ للفوزِ بالجنةِ في الآخرة”.
ورأى انه “لعَل أهمَ مقوم في الإسلامِ لنجاح عملية التنمية ، هو الإيمانُ والعملُ الصالحُ استناداً لقول الله : ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾، وقولِهِ سُبحانه : ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ ، وقولِهِ تعالى : ﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ ، قالقُرآنُ الكريمُ قَرَنَ بين الإيمانِ والعملِ الصَّالحِ والاستقامةِ ، وبين إغداقِ النِّعمِ وحياةِ الرفاهيةِ وجزيلِ الجَزَاء ، كما ربطَ بين التكذيبِ والعملِ السَيّءِ بظهورِ الفسادِ في الأرضِ وسُوءِ الجزاء. هدف التنمية في الإسلامِ تيسير سُبُلِ العبوديةِ للهِ ، بحيثُ تُسَخَّرُ العمليةُ التنمويةُ بكلِّ أبعادِهَا الاقتصاديةِ والاجتماعيةِ والسياسيةِ وغيرها ، وبِكُلِّ فَعَالياتِها في إرساءِ مبدأِ التوحيدِ والعبوديةِ عندَ الفردِ ، وتكونُ التقوى بأبعادِها الإنسانيةِ الداخليةِ والخارجيةِ ، هي قاعدةُ الانطلاقِ في البناءِ التنموي ، فمَسْلَكُ التقوى أساسٌ ضروريٌّ للتنميةِ في مفهومِ الإسلامِ ، حيث جوهرُ التنميةِ هو تنميةُ الإنسانِ نفسِهِ . فهي تنميةٌ أخلاقيةٌ تهْدِفُ إلى تكوينِ الإنسانِ السَّويِّ الذي يُشكلُ مجتمعَ المتقين ، بالتوازي مع مختلفِ أنواعِ التنميةِ المادية” .
واعتبر ان” مفهوم التنميةِ في الإسلام ينطلقُ من مبدأ تسخيرِ الكونِ للإنسان ، ليعْمُرَ الأرضَ وُفْقَ مَبَادئِ الحكمةِ الإلهيةِ بما يُحَقِّقُ الخِلافةَ في الأرضِ، مع الحفاظِ على حُسْنِ أداءِ الأمانةِ فيها ، وهو مفهومٌ شاملٌ لنواحي التَّعْمِيرِ في الحياة ِكافة ، وبالتالي فهو يقُومُ على بُعْدَين أساسيين يضمنان تنميةً مستدامةً في الدنيا والآخرة :
أولاً: البعدُ المعنويُ الإنساني : ويركِّزُ على بناءِ الإنسانِ وتنميتِه ذَاتياً ، وذلك بتربيتِه دينياً وروحياً وخلقياً وقِيَمِيَّاً ليقومَ بالدَورِ المَنُوطِ به في عبادةِ الله ، ونشرِ القيمِ والأخلاقِ التي هي جوهرُ الدينِ الحنيف ، فإذا أُهْمِلَ هذا البُعْدُ في مشروعاتِ التنمية ، فإنَّ ذلكَ يُؤَدِّي إلى الانهيارِ الحضاريِّ ، وقد نجحت بعضُ الدولِ في تحقيقِ التنميةِ الماديةِ إلى حدٍ كبير ، ولكنَّها أهملت الشُّقَ الروحي والمعنوي والأخلاقي فيها ، فكـانت النتيجةُ ما نرى من تَفَشِّي الجريمة ، وتَفَكُّكِ الأسرة ، والانْحِلالِ الأَخْلاقِي ، ومختلفِ الأمراضِ والاضطراباتِ النفسية . فلا يمكنُ أن نؤسِسَ لحضارةٍ إنسانيةٍ ، وارفةِ الظِّلالِ إلا بإعْمَارِ وتزكيةِ الجانبِ الخُلقي والإنساني فيها ، وليس بالعِمَارةِ والتنميةِ الحِسيّة فقط، قَالَ تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ .
ولما كانَ الإنسانُ هو أساسُ برامجِ التنميةِ ، وغَايتُها ، والقَائمُ بها ، فقد أكَّدَ القُرآنُ الكريمُ قيمةَ الإنسانِ وتكْرِيمِهِ، قَالَ تَعَالى : ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً﴾ ، كما أكَّدَت السنةُ النبويةُ قِيمَةَ الإنسانِ ، واهتمتْ بهِ وبتنميةِ قُدُراتِه ، باعتبارِه خليفةَ اللهِ في الأرضِ ، دونَ غيرِه من سائرِ المخلوقات،
<في مَجَالِ المحافظةِ على النفسِ ، وفي مَجَالِ الحثِّ على طلبِ العلمِ والأخذِ به ، وفي مجالِ تحقيقِ الأمنِ النفسي ، وحسنِ المعاملةِ واحترامِ الآخرِ والتسامحِ ، وفي مجالِ المحافظةِ على سلامةِ عقلِ الإنسانِ ، والنَّهْيِ عن ْكلِّ ما يَذهَبُ بالعقلِ أو يتسببُ في تغييبِ الوعيِ وفتورِ البدن ، بما في ذلكِ الخمورُ بمُسَمِّياتِها المُخْتَلِفَةِ ، والمخدرات بأنواعِهَا المتعددة ، وفي مَجَالِ تَغْييرِ سُلُوكِيَّات النَّاسِ ، وتحويلِ الأيْدي العاطلةِ إلى أيدٍ عاملة ، وفي مَجَالِ تَوْفِيرِ الأْمْنِ الغِذَائِيِّ والكِسَائيِّ، حَثَّتْ السُّنَةُ النَبَويَّةُ على الزكاةِ والصَدقات ، وإطْعَامِ الطَعامِ، وإعَانَةِ ذِي الحاجةِ ، ومُكَافَحَةِ الفَقْر”.
وتابع:” اما البعد المَادِي الَعْمِيري فهو تَعْمِيرُ الأرضِ في مختلفِ المَجَالات، واستغلالُ كُلِّ الإمكاناتِ الماديةِ وفقَ مبدأِ الخِلافَةِ ، بما يَكْفَلُ الحياةَ الطيبةَ للإنسان ، والتي هيَ وسطٌ بين العَوَزِ والتَّرَف ، معِ الحِفاظِ على ما سُخِّرَ له بما يُوَافِقُ مبدأَ الأمانةِ التي حمَلَها ، وتحقيقِ حدِّ الكفايةِ لأفرادِ المجتمع .
وتتمثلُ عَمَارةُ الأرض في الإسلامِ في كلِّ الوسائلِ التي يُمْكنُ من خِلالِهَا إحداثُ مُخْتَلَفِ أنواعِ التنمية ، سواءٌ أكانت اقتصادية (صناعية/ زراعية) أم اجتماعية أم صحية أم روحية وغيرها . كما أن عَمَارةَ الأرضِ تُمّثِّلُ الهدفَ الرئيسي للتنميةِ ، فضلاً عن كونِهَا غايةً دينيةً ومقصداً شرعياً. فاللهُ خلقَ الإنسانَ لكي يضطلعَ بثلاثِ مهامٍ رئيسيةٍ، هي : عبادةُ اللهِ ، لقولِـه تعالى : ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ ، وخلافتُه في الأرضِ ، لقولِه عز وجل: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ وعَمَارَتُها استناداً إلى قولِ الحقِّ تباركَ وتعالى : ﴿هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا﴾ .
ومن الملاحظ أن ثمة ارتباطاً وثيقاً بين هذه المهامِ الثلاث ، وتداخلاً أيضاً . فعبادة الله هي من الخلافةِ في الأرض ومن عَمَارتِهَا ، والخِلافَةُ هي من عبادةِ اللهِ ، ومن عَمَارةِ الأرضِ كذلك .
والمولى عندما طلبَ من الإنسانِ أن يَعْمُرَ الأرضَ لم يتركْهُ تَائِهاً ، بلْ وَفِّرَ له أهمَّ المُقَوِّمَاتِ ، وتتمثَّلُ في أمرين :
الأمرُ الأولُ : القُدرةُ العقليةُ والجسديةُ ، التي تجعلُهُ قَادِرَاً على الاستفادةِ من هذه الثََرَواتِ ، وهذه الإمْكَانَات .
الأمرُ الثاني: الإمكاناتُ والوسائلُ التي يتمكنُ بها من عَمَارةِ الأرض .
والسنةُ النبويةُ حافلةٌ بالعديدِ من النصوصِ التي تَحُثُّ على حمايةِ المواردِ الطبيعيةِ وصيانتِها : فقد نَهَتْ السنةُ النبويةُ عن قطعِ الشَّجَرِ واقتلاعِ الزَّرعِْ ، ودَعَتْ للمحافظةِ عَلى المَصَادرِ المائيةِ وعدمِ هدرِها والإسرافِ في استعمالِها ، كما دَعَتْ السنةُ النبويةُ للمُحَافظةِ على الأمَاكنِ العَامةِ والطرقِ بإماطةِ الأذى ، وعدمِ توسُّطِ الطرقاتِ أو إيذاءِ الناسِ بالروائحِ الكريهة ، كما دَعَتْ السنةُ النبويةُ إلى مراعاةِ الصحةِ الوقائيةِ بالنهيِ عن مُخَالطةِ الإنسانِ المريض بمرضٍ مُعْدٍ لآخرَ صحيح، ومنعتْ الدخولَ إلى منطقةِ فيها طاعونٌ، أو الخروج منها ، ودَعَتْ أيضاً للمحافظة على التَنَوعِّ الحيوي ، بعَدَمِ إفناءِ أُمَمِ الطَيْرِ والحيوان ، نظراً لأهميةِ ذلكَ في تحقيقِ التوازنِ البيئي: .
وخلص ختاما الى أن “التنميةَ في الإسلامِ جزءٌ لا يتجزأُ من العقيدةِ الإسلاميةِ وثَوَابتِ الدِّينِ ، ومنطلِقَةٌ من قِيمِ الإسلام المستوحاة ِمن الكتابِ والسنةِ ، وهي تقومُ على بُعْدَينِ أساسيين : الأول تنميةُ الإنسانِ وبناؤُه والثاني إعْمَارُ الأرضِ والحفاظُ على ثرواتِها ، كل ذلك وفق المنهجِ الربانيِّ الحكيمِ وضَوابطِ شَرْعِه ، بما يَضْمَنُ طيبَ الحياةِ في الدارين . أييها الضيوفُ الأعزاء والحضور الكريم :
الكلامُ المطلقُ عن التنميةِ واستدامتِها ، يستدعي منا الوقوفَ على المنطلقاتِ الفكريةِ والغاياتِ المُرادةِ من المنظماتِ الدوليةِ ، وما صدرَ عنْها من أجنداتٍ للتنميةٍ المستدامةِ ، تتعلقُ بالأسرةِ والمواردِ والبيئةِ والسكان ، وعلينا أن نَتَنَبَّهَ جيداً إلى أن هذهِ الأجنداتِ والاتفاقياتِ يَعْتَبِرُ مُصَدِّرُوهَا أنها إلزامية ، ويَمْنَعُ التحفظَ عليها ، وأنها مترابطة ، وغيرُ قابلةٍ للتجزئة ، وإلزامُ حكوماتِ الدولِ بإدماجِ مضْمُونِها في سياسَاتِها .
ومنَ الملاحظِ أيها الحضورُ الكريم ، أن عولمةَ القيمِ اتجهتْ نحوَ فَرْضِ أحاديةٍ قي مجالِ حقوقِ الإنسان ، وفرضِ معاييرَ معينة ، لا تراعي التعدديةَ الثقافيةَ والدينيةَ في العَالم ، فإلغاءُ ثنائيةِ الذَّكرِ والأنثى تحت مِظَلَّة ِالنوعِ الاجتماعي ، وإنكارُ التَمايزِ الفطري في الأدوارِ بينَ الجنسين ، ونشرُ ثقافةِ الفوضى الجنسية ، وتعددُ هياكلِ الأسرة ، وتشريعُ الشذوذِ الجنسي وحمايتِه ، وتشريعُ الزنى والإجهاضِ باسمِ الجنسِ الآمن ، وإطلاقُ مصطلحِ العُنْفِ على كلِّ ما يُخَالفُ مضمونَ هذه المفاهيم ، كلُّ ذلكَ من شأنِهِ أن يجرَّدَ الخِطَطَ الدوليةَ من حِيَادِهَا، بعدَ تفريطِها بحقِّ الشعوبِ الإسلاميةِ والمسيحيةِ في العَالم ، من الاعتراضِ على إكْرَاهَاتِها التشريعية .
إننا ومن خلالِ هذا المؤتمرِ الكريمِ ، ندعو الجميعَ إلى وضعِ الأمورِ في نصابِها الشرعي والحقوقي السليم ، فلا تنميةَ بفوضى تشريعية ، ولا تنميةَ بفوضى أخلاقية ، ولا تنميةَ بفوضى أسرية ، ولا تنميةَ باستباحةِ الأقوياءِ في نفوذِهم حقوقَ الشعوبِ الكادِحةِ ، والاستيلاءِ على مواردِها الطبيعية .
لأننا سنكونُ بالطبع ، أمامَ كوارثَ مستدامة “.