
بينما تدفع جهات سياسية الى ضرورة إجراء الانتخابات النيابية لإعادة الانتظام الى الحياة السياسية ورفض الممارسات السلطوية التي تفتك باللبنانيين، فُتح السجال، عن سابق تصور وتصميم، إنما بتوقيت وطريقة مريبين، حول اقتراع المغتربين وإمكان تعليق هذا البند، في استباحة واضحة للدستور والقانون الانتخابي وحق أي لبناني أينما كان، باختيار ممثليه.
تاريخياً، عندما كان لبنان يتعرض للخضات والأزمات، كان المغتربون مدماك صموده، ولا يزالون. لولاهم لكان الوضع أسوأ بكثير، في انهيار اليوم. هذا الكلام ليس مجاملة أو شعراً، فعندما سدّ العالم كلّ ابوابه بوجه الوطن وقطع عنه نفس العملة الخضراء، تدفقت أموال المغتربين الى أهاليهم متجاوزة الـ8 مليارات دولارات، في رسالة واضحة الى العالم، “لو وقف العالم كله بوجه لبنان، نحن لن نفعل”. هذا الموقف الاغترابي استدعى من السلطة ردّ الجميل الى أبنائها التي تخلت عنهم أو “هشّلتهم”، فاستغلت بند تصويتهم في الانتخابات النيابية المقبلة، لتطييره أو إدخال تعديلات عليه، وهو أمر يحتاج إلى تعديل القانون الحالي، بقانون جديد، علّها تُطير الانتخابات النيابية برمتها، فترتاح على وضعها وقتاً إضافياً بعد، وتستمر في الحكم، نِكاية باللبنانيين.
إذاً بعض الكتل النيابية راحت تجس النبض بفتح سجال حول تطبيق أحد بنود القانون الانتخابي الذي أقر العام 2018، والذي يتضمن تخصيص ستة مقاعد لنواب لبنانيين يمثلون الاغتراب يوزعون على القارات، ترافق ذلك مع مطالبة أخرى بتعليق اقتراع المغتربين تحت حجج واهية، لا صلة لها بالواقع، متناسين مثلا موضوع الـMegacenter أو تفاصيل أخرى للنظر فيها، ما يؤشر الى سجال وانقسام واضحين سيستعران بين المكونات السياسية، لبنان بغنى عنها اليوم.
يوضح عضو تكتل الجمهورية القوية النائب جورج عقيص، أجواء ما يجري في ملف اقتراع المغتربين، يشير الى أن وزير الداخلية السابق محمد فهمي، ألمح الى وجود بعض المواد في القانون الحالي (المادة 44/2017)، التي تحتاج الى تعديل أو تعليق لأن لا قدرة لوجستية على تنفيذها، مع ضرورة المحافظة على التصويت الاغترابي لأنه حق مكتسب، إنما وفقاً للصيغة التي اعتمدت العام 2018.
يلفت، في حديث لموقع “القوات اللبنانية” الإلكتروني، الى أن الاتجاه العام لمعظم الكتل النيابية، كان بإبقاء ما طبق في انتخابات العام 2018، ساري المفعول بالنسبة الى المغتربين، وعدم السير بالمقاعد الـ6 بحسب القارات والطوائف، بعدما تبيّن أن هذا الإجراء يحرم المغترب من حقه في اختيار ممثليه في لبنان، كاشفاً عن أن الأحاديث عن تعديل جذري في القوانين وطرح صيغ انتخابية جديدة، والتركيز على أن يكون لبنان دائرة انتخابية واحدة ـ مع أن الدستور يلحظ عدة محافظات ودوائر ـ استتبع بلجنة نيابية غير رسمية، راحت تتداول في بعض المواضيع التقنية التي قد تحتاج الى تعديل او تعليق.
يبدي عقيص تفاجُأه لبدء بعض الكتل النيابية بتسويق فكرة عدم السير بـ”تصويت المغتربين” تحت حجج ضيق الوقت، وتقريب موعد الانتخابات النيابية الى آذار، لأن موعدها الرسمي في أيار يتزامن مع شهر رمضان المبارك، إضافة الى الإيحاء بأن البعثات الدبلوماسية لا تملك المال الكافي، لتنفيذ انتخابات بهذا الحجم، كما أن التيار الوطني الحر يطالب على لسان رئيسه بتصويت اغترابي محصور بالست مرشحين الذين يمثلون القارات.
يوضح أن وفداً من تكتل الجمهورية القوية التقى وزير الداخلية بسام المولولي، مساء أمس الإثنين، لاستيضاحه عما إذا كان طرح تطيير اقتراع المغتربين صحيحاً، وإذا كان هناك نية فعلية لوزارة الداخلية لإجراء التعديلات المتعلقة بتصويت المغتربين، وإذ يؤكد أن القوات اللبنانية أبلغت المولوي، رفضها القاطع لأي مسّ بحق المغترب في الاقتراع، يشدد على ضرورة الا يكون هناك أي تمييز بين اللبناني المقيم والمغترب في طريقة التصويت، إذ كما يحق للمقيم التصويت للمرشح في دائرته، للمغترب أيضاً الحق بالتصويت للمرشح في دائرته المسجل بها في لبنان، ولو كان مغترباً، اسوة بكل الشعوب، وانطلاقاً من أبسط الحقوق الإنسانية.
يضع عقيص هذه البلبلة والاقتراحات في خانة جسّ النبض، بعدما أتت نتائج التصويت الاغترابي في دورة العام 2018 عكس ما تشتهيه سفن السلطة، إذ كان واضحاً أن الصوت المنتشر صب لمصلحة جهات معينة من بينها القوات اللبنانية، وإذ يذكر بأن الثنائي الشيعي استفاد بدوره من أصوات المغتربين، يبدي استغرابه لطبيعة الأسباب التي تدفعه الى الحديث عن الغاء الصوت الاغترابي.
يضيف، “تكتل الجمهورية القوية أعلن موقفاً واضحاً وصريحاً في مختلف جلسات محاولة البحث بقانون انتخابي جديد، بأنه سيمارس حقه بالطعن أمام المجلس الدستوري، بحال حرمان المغترب من التصويت، او أمام أي محاولة للعبث بالقوانين الانتخابية بما يخالف الاحكام الدستورية، فهذه أمور “ما فيها مزح”، لأنها قد تخلق شرخاً كبيراً بين الفرقاء”، لافتاً الى أنه مهما بلغ حجم المكابرة، فلا مصلحة لأحد بالمغامرة لتغيير طبيعة نظامنا وتمثيلنا، عبر طرح صيغ لقوانين انتخابية مجحفة ومشوهة للتمثيل الحقيقي.
يشرح أن إلغاء مقاعد المغتربين الـ6 أو تعليق اقتراعهم يحتاج الى تعديل القانون الانتخابي، ما يفتح مجال التعديلات على بنود انتخابية أخرى، محذراً من أن يكون مدخل تطيير الانتخابات برمتها اللعب على البند المتعلق بالمغتربين، فيصار حينها الى قانون تمديدي للمجلس الحالي، أو لآخر معطلاً أو مؤجلاً للانتخابات النيابية، وهذا الأمر برسم الشعب اللبناني المقيم والمغترب على حد سواء. يتابع، “المعلن هو حرمان المغترب من حقه بالتصويت، لكن المُضمر هو حرمان المقيم أي كل الشعب اللبناني من هذه العملية الديمقراطية برمتها”.
المصدر:موقع القوات