
كتب أحمد عوض في موقع “ناشطون”:
في مشهد طال انتظاره، بدأت مدينة طرابلس تخطو خطوات عملية نحو استعادة وجهها البيئي المشرق، من خلال إطلاق حملة تنظيف شاملة لمجرى نهر أبو علي، أحد أبرز معالمها الطبيعية والتاريخية. وجاءت هذه المبادرة بمسعى من بلدية طرابلس، وبالتعاون المباشر مع شركة “لافاجيت”، في إطار خطة متكاملة تهدف إلى إزالة التراكمات العشوائية للنفايات والردميات التي شوّهت النهر وأثّرت سلباً على البيئة والصحة العامة في المدينة.
الخطوة التي لاقت ترحيباً من أهالي المنطقة والناشطين، ليست مجرد حملة تنظيف تقليدية، بل تعبّر عن بداية تحوّل جدّي في تعامل السلطات المحلية مع التحديات البيئية التي تواجه المدينة، لا سيما في ظل التدهور المزمن الذي شهده نهر أبو علي خلال السنوات الماضية.
لكن ما إن بدأت ملامح النهر تستعيد صفاءها، حتى عادت بعض مظاهر الإهمال لتلقي بظلالها على المشهد؛ إذ أقدم عدد من المواطنين على رمي النفايات مجددًا في مجرى النهر، في تصرف أثار استياء وغضب الأهالي الذين عبّروا عن استنكارهم لهذا السلوك اللامسؤول. وقد ناشد السكان الجهات المعنية باتخاذ إجراءات حازمة، من بينها تنظيم محاضر ضبط بقيمة مالية مرتفعة بحق المخالفين، وتفعيل الرقابة عبر تركيب كاميرات مراقبة على طول النهر، للحد من هذه الممارسات المتكررة.
وشدد الأهالي على أن نهر أبو علي ليس مجرى مائيًا فحسب، بل هو رمز حضاري وتاريخي وواجهة طبيعية لمدينة طرابلس، تستحق كل رعاية وحماية.
وفي هذا السياق، طرح عدد من الناشطين والمهتمين بالشأن البيئي حلاً عمليًا من شأنه أن يعزز الحماية ويحقق فائدة اجتماعية في آنٍ معًا، من خلال اعتماد مقاربة مزدوجة:
أولاً، عبر تركيب منظومة مراقبة بالكاميرات الحديثة لتوثيق المخالفات ومحاسبة المرتكبين.
وثانيًا، من خلال إطلاق برنامج عمل تطوعي–وظيفي لتوظيف شباب من أبناء المدينة كمراقبين بيئيين رسميين.
ويرى أصحاب هذا الطرح أن المبادرة قد تسهم في حماية النهر بفعالية، إلى جانب خلق فرص عمل لعدد من الشباب العاطلين، شرط أن تُخصّص لهم ميزانية واضحة ضمن مخصصات البلدية، تضمن لهم رواتب عادلة ودورًا فاعلاً في حماية أحد أبرز معالم طرابلس البيئية والحضارية.
ويبقى نهر أبو علي، بكل ما يمثّله من ذاكرة وتاريخ وجمال طبيعي، مسؤولية جماعية تقع على عاتق الجميع: من السلطات المحلية إلى الأهالي، من المؤسسات البيئية إلى كل فرد يعبر ضفّاته. وبين جهود التنظيف والإصلاح، تبقى الخطوة الأهم هي الوعي، فبدون تغيير في سلوك الناس وثقافتهم البيئية، ستبقى الحملات مؤقتة والنتائج محدودة.
طرابلس تستحق بيئة نظيفة… ونهرًا ينبض بالحياة لا بالنفايات.