نقولا ناصيف – الأخبار
في كل أسبوع ثمّة يومان مخصصان للتفاؤل، يشاع فيهما أن تأليف الحكومة حاصل في أحدهما. إن لم يكن اليوم الأول، فالثاني حتماً. لكن شيئاً من ذلك لا يحدث. أما الأيام المتبقية من الأسبوع، فللانتحاب على ما لا يعرف متى يكون أو هل سيكون؟
أما حكومة الإنقاذ الموصوفة بالأقطاب، فآخر مرّة جرّبها لبنان كان ما بين 1984 و1988 في عهد الرئيس أمين الجميّل. كانت حكومة قادة الصف الأول رغم فارق كبير في أجيال وزرائها وقتذاك، ما بين رشيد كرامي وكميل شمعون وعادل عسيران وبيار الجميّل ونبيه برّي ووليد جنبلاط. رغم الصفة المضفاة تلك، إلا أنها – ولأن الأقطاب على مقاعدها – سجّلت أطول مدّة مقاطعة وانقطاع لمجلس الوزراء عن الاجتماع، كما انقطاع رئيسها ومعارضيها عن رئيس الجمهورية، أربع سنوات متتالية.
في ذلك تكمن العِبرة: ليس كل حكومة مختصرة مصغّرة يسعها النجاح المهم والبناء على غرار الرباعية الأولى عام 1958، وقد يعطبها الفشل والانقسام كالرباعية الثانية عام 1968. ليست حكومات الأقطاب دائماً هي النموذج الأمثل للإنقاذ. وقد لا يكونوا قادرين على الوصول إليه، وربّما لا يريدونه على نحو تجربتي حكومتي عامي 1975 و1984.
في الصيغة التي صار إلى تداولها في الأيام المنصرمة ثلاثة أصناف وزراء: باب أول وباب ثان وباب ثالث، يتعذّر معها اتخاذ قرارات ما لم يعد وزراء باب ثاني وباب ثالث إلى مرجعياتهم خارج السلطة الإجرائية، خلافاً لتجارب حكومات الإنقاذ المشهودة. حينذاك كان القرار يبدأ في مجلس الوزراء وينتهي به.
أكثر من مرّة في السنوات الأخيرة، منذ حكومة 2005، جيء على ذكر حكومة 14 وزيراً، من غير أن يفلح أي من المساعي بعدما اعتاد تأليف الحكومات الرقم المنفوخ وهو 30 وزيراً منذ عام 1990، حتى الحكومة الأخيرة للرئيس سعد الحريري عام 2019.
أي وظيفة تنتظر حكومة الـ24 وزيراً على أبواب انتخابات ربيع 2022؟
إبّان تكليفه تأليف حكومته عام 2013، بعدما أوشك على بلوغ الشهر التاسع عبثاً بلا تأليف، فكّر الرئيس تمّام سلام في حكومة من 14 وزيراً بقي تداولها سرّاً جرّاء استمرار عقبات توزيع المقاعد والحصص، وإصراره على ثلاث ثمانات شأن ميقاتي اليوم. طرح الفكرة على الرئيس ميشال سليمان، ولزما كتمانها دونما علم أي من الأفرقاء المعنيين، كبيرهم وصغيرهم. أرادها سلام من وزراء اختصاصيين لا يتأثر أي منهم بأي مرجعية. عرض الرئيسان أسماء مرشحة، سرعان ما اصطدما بالعقبة الشيعية المحدَّد لها ثلاثة وزراء، لا يستفزّون حركة أمل وحزب الله ولا يكونون ضدهما ولا كذلك منهما. لم يعثر الرئيس المكلف حينذاك على شخصية شيعية تقبل بتوزيرها في معزل عن الثنائي الشيعي. إما تعتذر للتوّ أو في الغداة. في حصيلة اجتماعات عقدها بعشر شخصيات شيعية وافق ثلاثة فقط منها على توزيرهم. بيد أن هذا المسعى توقف مع تبلّغ سلام، في معزل عمّا كان يتحضّر له، موافقة حزب الله وحلفائه على حكومة 24 وزيراً مع مداورة في الحقائب وثلاث ثمانات.
سواء عجّل اقتراح ميقاتي حكومة من 14 وزيراً في التفاؤل بتأليف حكومة الـ24 وزيراً، أو بعث التشاؤم حيالها، بيد أن الفكرة في ذاتها قوّضت كل ما كان يُعدّ منذ استقالة حكومة الرئيس حسان دياب في 10 آب 2020، وانطلاق المبادرة الفرنسية كمرجعية تأليف حكومة جديدة وبرنامجها وحصر مهمتها بوزراء اختصاصيين لا ينتمون إلى أي من الأحزاب والكتل يعملون على الإصلاحين الاقتصادي والنقدي. إذاً الفكرة المحدثة تضع السلطة الإجرائية في يد أولئك المطلوب إبعادهم عنها. ومع أنها باتت مستبعدة، ولم يعدُ طرحها أكثر من جسّ نبض معروف النتائج سلفاً، على الأقل رفض رئيس الجمهورية لها لأسباب شتى، إلا أن العودة إلى حكومة 24 وزيراً أبقى كل المشكلات تحوط بها. طرح كذلك أكثر من علامة استفهام من حولها، ولم يجب عن سؤال لا يزال غامضاً: أي وظيفة تنتظرها في الأشهر القليلة التي تسبق موعد الانتخابات النيابية ربيع 2022، ما دامت الكتل والأحزاب هي التي تسمّي وزراءها، ويختار أوسعها نفوذاً الحقائب التي يريدها؟
تبعاً لما يُشاع عن أن تأليفها حتميّ عند رئيس الجمهورية والرئيس المكلف، وإن أكثرا في الأسبوعين الأخيرين في تبادل عضّ الأصابع، بيد أن المراحل التي سبقت أو لا تزال تسبق تأليفها تنبئ سلفاً بما ينتظر مهمتها، آخذة في الاعتبار ما رمت إليه مراحل التأليف، المختصرة في بضعة مؤشرات منها:
– إنها حكومة الحصص المعطلة. تبادل الأفرقاء الرئيسيون المعنيون بالتأليف الفيتوات واحدهم قبالة الآخر. للمرة الأولى على نحو لم يسبق أن رافق تأليف حكومات من قبل، تردّد أن رئيس البرلمان نبيه برّي وضع فيتوات على مرشحين في حصة رئيس الجمهورية رداً على فيتواته على وزراء في حصة برّي. كذلك الحريري المفترض أنه غير معني بالحصة السنّية المتروكة للرئيس المكلف، أو أي حصة سواها. رفض وزراء مسيحيين سمّاهم عون الذي كان رفض وزراء سنّة سمّاهم ميقاتي.
– يتصرّف الأفرقاء المشاركون، المفترض أنهم الأكثر مسؤولية، حيال تأليف الحكومة عملاً بقاعدة كسر الطرف الآخر، وإدخاله إليها ضعيفاً قليل التأثير في مرحلة تنتظرها استحقاقات قد تكون الأسوأ في توقيتها، وفي الظروف التي ترافقها مع تواصل الانهيار الداخلي.
– لا تفسير للتسابق على حصص حكومة اختصاصيين يقتضي أن يكون عمرها قصيراً ينتهي بإجراء الانتخابات النيابية المقبلة، إلا الاعتقاد بأن عمرها أطول من انتظار استحقاق الربيع المقبل، غير المؤكد حصوله في موعده الدستوري.