يعرض يومياً بعد نشرة الاخبار المسائية
“أخبار اليوم”
بدأت قناة الجديد مساء السبت الفائت عرض المسلسل اللبناني “حكايتي” (كتابة: فيفيان أنطونيوس -انتاج : مروى غروب) والذي سيمتد على ستين حلقة وينتهي تصويره هذا الاسبوع. العمل من بطولة: ماريتا الحلاني، محمد قيس، جو صادر، جيهان خماس، أنور نور، فيفيان انطونيوس، هيام أبو شديد، ميراي بانوسيان، أسعد رشدان، ووجيه صقر. كان يفترض ان يطلق على المسلسل عنوان “الحي الشعبي” لكن خلال التصوير تقررت تسميته “حكايتي” وهو عنوان مسلسل مصري من بطولة ياسمين صبري انتج قبل عامين.
مشكلة المسلسل تبدأ من سذاجة كلمات الاغنية التي تقدمها ماريتا في مستهل كل حلقة، اذ تقول الشارة التي كتبها علي المولى ولحنها عاصي الحلاني: “اسئلة اسئلة ما في اجوبة الها…ليش انا خلقت بفقر وغيري خلق بغنى؟”. قد يقول قائل ان هذا السؤال عن سبب وجود ناس اثرياء وآخرين معوزين في العالم سؤال مشروع، لكنه في عام ٢٠٢١ سؤال تخطاه الزمن ولا يصلح لمقدمة مسلسل تدعي المحطة التي تعرضه انه “دراما اجتماعية تتناول الطبقية السائدة في كل المجتمعات ومنها مجتمعنا، والظلم الذي يطال الفقراء”. والغريب ان كاتب الاغنية عودنا في السنوات الاخيرة على شارات اكثر دسامة للمسلسلات، آخرها “كلنا مننجر” وهي اغنية مسلسل “داون تاون” التي شوهدت على يوتيوب عشرات ملايين المرات خلال اقل من اربعة اشهر.
في “حكايتي”، حكاية حب بين شابة فقيرة ومليونير مكررة للمرة المليون ولم يعد مسموحاً طرحها في الدراما اللبنانية اذ ان مجتمعنا غني بمشاكل وقصص اكثر خطورة واهمية، وقد اضافت الكاتبة والممثلة انطونيوس الى قصة الحب المنتهية الصلاحية هذه، خلطة تضمنت عذابات ام نادمة على ترك اولادها ومشاكل الجيل الشاب الذي يتعاطى المخدرات وتصرفات رجل الاعمال الفاسد الذي يترشح للانتخابات وعُقد الرجل الستيني الذي يهوى اقامة علاقات مع قاصرات.
بحسب الموقع الرسمي لقناة الجديد، تدور قصة المسلسل حول”سيرينا” وهي شابة تعيش ضمن عائلة تعاني من الفقر والعوز، ورغم كل المسؤوليات التي تقع على عاتقها، تحاول جاهدة أن تساند عائلتها. تعلمت الرقص منذ صغرها من لولوة الراقصة المحترفة التي تعيش في حيها. وحين كبرت سيرينا بدأت ببيع الزهور واوراق اليانصيب، ونتيجة حادث صدم تعرفت الى شاب ثري يدعى “رائد” (هل تذكركم هذه الحبكة بمسلسل سبق ان شاهدتموه؟ “ماريا مرسيدس” ربما؟) وفي المقابل هناك “أنور” ميكانكي يعمل في حي “سيرينا” ومغرم بها .
في الحلقات الاولى، كان اداء بعض الممثلين المعروفين مبالغاً فيه فيما لم يقنعنا ممثلون جدد بما قدموه. كنا نتوقع اداء افضل من ماريتا الحلاني في اول ادوارها البطولية بعد الاداء الواعد الذي قدمته في مسلسل ٢٠٢٠، لكن المغنية الشابة خيبت املنا. قد يكون السبب اختلاف المخرج بين العملين، ففي ٢٠٢٠ كان ربان السفينة فيليب اسمر المعروف بحرفيته وبصمته الفريدة وحرصه على ادارة الممثلين، فيما “حكايتي” من اخراج جورج روكز الذي لم يقدم سابقاً اي عمل درامي لافت ويبدو انه لا يكترث كثيراً لادارة ممثليه ويتكل على وجود Acting coach. وقد تكون ماريتا مذنبة بقبولها عرض المنتج مروان حداد ببطولة عمل طويل رغم تواضع تجربتها التمثيلية وافتقارها للخبرة المطلوبة او للخلفية الاكاديمية (هي مجازة في ادارة الاعمال وليس في التمثيل).
محمد قيس الاتي الى عالم التمثيل من تقديم البرامج التلفزيونية والاذاعية التي برع فيها في السنوات الاخيرة، قدم اداء اقل من عادي لا يوحي بامتلاكه موهبة فذة، وكأنه مجرد وافد جديد الى الدراما لا يحمل جواز سفر واختار ان يسلك “الخط العسكري” ليطل يومياً على المشاهدين، عله ينتقل من المسلسلات المحلية الى الاعمال العربية المشتركة فيؤمن مستقبله في ظل انخفاض البرامج المنتجة وتركيز القنوات على المسلسلات في شكل اكبر.
اما جو صادر فيشبه نفسه في كل المسلسلات التي يشارك فيها، فلا يعطي اي شخصية يلعبها سمات نفسية نافرة تميزها عن الشخصيات الاخرى التي سبق ان لعبها واي عمق يجعلنا نرغب بالغوص في دهاليز هذه الشخصية لنتعلق بها.
التطويل الممل يبدو سمة المسلسل منذ انطلاقته. مشاهد عدة تمر في الحلقة من دون ان يكون لها اي معنى في السياق الدرامي، ومشاهد اخرى تقطع الى اربعة او خمسة مشاهد فقط “لتعباية الهوا”.
بعض المشاهد مضحك مبكٍ، وكأن من كتبه ونفذه طفل في الثامنة من عمره ربما، كمشهد في الحلقة الثالثة فيه رجل يرفض اعطاء احد اطفال الشوارع اغراضه، فتهجم ماريتا مع شلة من الاولاد على سيارة الرجل ويبدأون بالصراخ.
في زمن مسلسلات من مستوى “فيكسر” و”للموت” و”دور العمر” واخيراً “باب الجحيم”(كلها من انتاج شركات لبنانية واخراج لبنانيين)، الا يستحق مشاهد القنوات المحلية غير القادر على الاشتراك بمنصة شاهد بعض الاحترام وان تقدم له اعمال تتمتع بالحد الادنى من مقومات النص والاخراج؟ نعرف ان ميزانية شاهد تفوق باضعاف مضاعفة ميزانية القنوات اللبنانية مجتمعة، لكن تقديم مسلسل لبناني جيد ويليق بالعرض في ساعة الذروة لا يحتاج الى كثير من المال، والدلائل كثيرة في الماضي ومنها مسلسلات “ابنة المعلم” و”وجع الروح” و”مالح يا بحر” و”مدام كارمن” و”بالقلب” وسواها، فما سر هذا التراجع المستمر في نصوص المسلسلات اللبنانية واسلوب اخراجها في السنوات الاخيرة؟ وهل ان من يحظى بفرص العمل مع شركات الانتاج المحلية يعتمد فقط على علاقاته الشخصية معها؟ ولماذا تقبل القنوات اللبنانية بعرض مسلسلات دون المستوى وهل من اجندات مخفية او امور تحصل من “تحت الطاولة”؟ هذه اسئلة مشروعة يحق لنا ان نطرحها، وهي برأينا اكثر مشروعية بكثير من السؤال الذي تغنيه ماريتا :ليش انا خلقت بفقر وغيري خلق بغنى؟ اليس كذلك؟