شعار ناشطون

حزب الله وضعفه السياسي: الخروج من تروما 7 أيار

28/02/22 06:39 am

<span dir="ltr">28/02/22 06:39 am</span>

منير الربيع – المدن

أثبتت التجربة في الأشهر الفائتة، أن اعتماد التكتيك السياسي الهادئ، يمكنه أن يلحق خسائر بحزب الله على صعيد السياسة الداخلية، بمعزل عن الشعارات الاستراتيجية المرتفعة السقف. صحيح أن صراع قوى سياسية عدة في لبنان مع الحزب عينه، استراتيجي وثقافي وفكري وعلى التوجهات، لكن اللبنانيين- نظراً للوقائع والتحالفات الاقليمية والدولية- لا خبرة لديهم في الاستفادة من ذاك الصراع ليصب في مصلحتهم.

وهذا على عكس حزب الله الذي يتمكن من التحشيد عصبياً واستراتيجياً، بشعارات تلقى تجاوباً شعبياً، وخصوصاً في بيئته وبين جمهوره، في سياق الصراع الاستراتيجي. أما في اليوميات اللبنانية، فيمكن أي طرف أن يلحق خسائر بالحزب إياه، أو يحرجه في زوايا المواقف.

الطيونة وخلدة وشويا
ويعود ذلك إلى طبيعة النظام والتركيبة اللبنانية التي لا تتيح لأحد أن يتفرد بما يريد، وتمنعه من السيطرة الكاملة على مفاصل الدولة وقراراتها. هذا بمعزل عن المسار الاستراتيجي للسياسة الخارجية، التي تحققت فيها خروقات عدة مؤخراً.

وتقول الوقائع اللبنانية التاريخية الثابتة: مهما بلغت قوة طرف ما، فهو لن يتمكن من الدخول إلى منطقة لا تقبله أو لا ترضى به، كما حصل في الطيونة، حيث رسمت خطوط الحدود التي لا يمكن تجاوزها. وقبل ذلك حصلت حوادث مماثلة في خلدة، وفي شويا. وبلغت حماسة البعض إلى الاعتقاد أن حزب الله قد يدخل في مشروع تهجير الذين تصدوا له. لكن الضربات مرّت بلا ردّ فعلي قادر على تغيير كفة الميزان. وسلكت المشاكل طريقها إلى الحلّ، وفق القواعد اللبنانية الثابتة والراسخة. وهذا ما جرى في مناطق عدة على الأرض.

البيطار والموازنة
وثمة حوادث ومواقف مماثلة لافته في اللعبة السياسية أو على طاولة مجلس الوزراء، مثلاً. فمنذ رفع حزب الله شعار تنحية القاضي طارق البيطار، لم يتمكن حتى الآن من ذلك. ومقاطعته الحكومة وعدم عودته إليها قبل إقالته أو تنحيته، انتهيا بعودته، فيما البيطار لا يزال في مكانه، رغم تعطل عمله حالياً.

وعاد حزب الله وحركة أمل إلى الحكومة تحت عنوان البحث في مشروع الموازنة لإقرارها، لكن سرعان ما تغيرت الآية: أقرت الحكومة تعيينات عدة، أولها في المجلس العسكري، وثانيها في هيئة الإشراف على الانتخابات، وهناك تحضير لتعيينات جديدة من بينها التشكيلات الديبلوماسية، مثلاً.

التعيينات والكهرباء والترسيم
واعترض حزب الله على التعيينات في المجلس العسكري، وقال إنه لا يوافق عليها، لكنها “هُرِّبت”. وكذلك كانت وجهة نظره في الموازنة التي اعتبرها مجحفة بحق الناس، مع تعهّد واضح في خطابات كثيرة بأن وزير المال لن يوقع على مشروع إحالتها إلى المجلس النيابي. لكن وزير المال وقّع وأحيلت الموازنة إلى اللجان النيابية لدراستها. وينسحب الأمر نفسه على خطّة الكهرباء، التي مُرِّرت و”هُرِّبت”، رغم مواقف الثنائي الشيعي الإعتراضية عليها.

ولا ينفصل ذلك عن المواقف في شأن ملف ترسيم الحدود، والسجال الدائر حول الخطوط واعتماد الخط 23، مقابل التنازل عن الخطّ 29.

البيان عن روسيا وأوكرانيا
ووصلنا أخيراً إلى البيان الذي أصدرته وزارة الخارجية، ويتضمن موقفاً معارضاً لروسيا واجتياحها أوكرانيا. ومر الموقف ولم يصدر أي توضيح من الحكومة اللبنانية ولا من وزارة الخارجية. والتوضحيات صدرت بشكل شخصي أو فئوي.

وكان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي قد أصر على تضمين البيان عبارة الاجتياح الروسي، والدعوة إلى وقف العمل العسكري فوراً. وصدر البيان، وأحدث ما أحدثه من ضجة. وسارع الجميع إلى التنصل منه، بينما اختفى رئيس الحكومة، وهو الخبير في اعتماد سياسة تحقيق ما يريد والتواري بعد ذلك.

حنكة عون
تظهر هذه الوقائع أن حسن الإدارة يمكنه حشر حزب الله في زوايا كثيرة. ففي مثل هذه المعادلات لا مكان للقوة العسكرية المفرطة، ولا للاستعراض بـ 100 ألف مقاتل.

صحيح أن أفضل من يحسن التعاطي مع حزب الله بهذا الشكل هو رئيس الجمهورية ميشال عون: يتشدد في مواقفه للحصول على ما يريد، ولو اقتضى ذلك التلويح بتهديد تفاهم مار مخايل. لكنه سرعان ما ينجح في تحقيق ما يسعى إليه. وهذا قد يرتبط بقاعدة: “عرف الحبيب مكانه فتدلل”. ولكن القوى السياسية الأخرى يمكنها اعتماد الطريقة عينها. فالقاعدة اللبنانية تمكِّن موظفاً إداراياً في الفئة الرابعة من عرقلة مشروع قانون، أو قرار يخص حزب الله في إطار لعبة نظام الملل اللبناني.

تروما 7 أيار
ولكن ثمة أسباب نفسية منعت خصوم حزب الله من اعتماد هذا النوع من التكتيك السياسي: استسلامهم لحال من التروما أمام الثنائي الشيعي. وهي تكرست منذ أحداث 7 أيار 2008، وصولاً إلى الاستسلام لكل ما يريده حزب الله.

لكن هناك متغيرات كثيرة اليوم، ولا بد من الاستثمار فيها. فحزب الله منشغل في القضايا الاقليمية (المفاوضات النووية) وداخلياً منشغل مع حلفائه في التحضير للانتخابات. والمتغيرات المشهودة حالياً ناجمة عن احتمال من اثنين: إما أن انشغالات الحزب تحول دون استثماره قوته في الداخل، فيتراجع أو لا يقدم، أو أن استسلام خصومه السابق للخسارة، نتيجة خوفهم منه، هو ما كان يتيح له تحقيق ما يريد.

تابعنا عبر