كتب النائب ملحم رياشي:
حين يعود المسرح مجرداً من غطاء التكاليف الباهظة في الديكور أو في توزيع الاشكال والتقنيات لتغطية نصٍ ضعيف او آداء هجين، يعود المجد الى الكلمة والفكرة والتعبير حتى الطعن في اعماق النفس، ويدخل الصوت (صوت Anna O) من العين ومن الاحشاء قبل الاذن؛ كما وتعود القيمة الى الوقت من دون “دحش” الكلام غير المكثف لاطالة الوقت مقابل الأجر… الوقت المكثف في الفكرة والحبكة قصير، سريع، ويكفي.
ممثلة بل فنانة حقيقية تقدم حالة هستيرية كأنها الهستيريا، نجلس أمامها على بعد خطوات ونرتجف من ان تنقض علينا لشدة ما اخذتنا في الدور الى حدود التصديق. ممثل يتلاعب بنا بادوار الكلب والاب والطبيب والديب وينتقل من انسياب استثنائي بين الواحد والآخر.
أحضرَ جو قديح في Anna O حشرجات نفسية تمزق المشاهد وتحوّله الى شريك ومأزوم ومشارك في عقد الجنس والابوة والاخوة و”الفرويديات” على انواعها، وصولاً الى ليلى وديبها وافاعيها وثوبها الاحمر.
سطّر لنا في هذا المسرح المغلق والقليل العدد والعدّ، كتاباً مفتوحاً على أسرار النفس البشرية من خلال جلسات علاجية ممسرحة بين أنّا وطبيبها بروير (كان ينقصه الذقن الطويلة ليكتمل المشهد) من عرضٍ لا يخلو من الرسائل الطبقية واللاعدالة المتحكمة بقوة أظافر الموت.. في هذه الحياة.
Anna O هو تراجع حرفين لابقاء إسم برتا بابنهايم سرياً، نستعيدها في مسرح افتقدناه في هذا الوطن الملعون، ونستعيد مع جو قديح أهميةَ أن هذا المسرح على نخبويته فكراً ونصاً وعرضاً وآداء،هو… غير مخصص للبيع!