مقال بقلم الكاتب صفوح منجد
يبدو أن حرب غزة والمجازرالتي ترتكبها إسرائيل منذ 100 يوم وما تفرعت عنها من أحداث وجرائم والتوسع في أعمال الإبادة التي يشنها العدو ضد الشعبين الفلسطيني واللبناني والمرشح أن تزداد خطورة وعنفا ويرتفع أعداد “أصفارها” في القادم من الأيام نتيجة التواطؤ الغربي مع المخططات الإجرامية الإسرائيلية من جهة و”ركاكة” الرد والتفاعل من قِبل بعض الأنظمة العربية التي لم تع حتى الآن خطورة مواقفها تجاه العدوان الإسرائيلي الذي يحظى بدعم غربي بالسلاح والعتاد وحتى في الدفاع عن نظام القتل والإجرام في المحافل الدولية والأممية والقضائية التي أدانت إسرائيل وإتهمتها بشن حرب إبادة، في حين أن ردود أبناء ” البيت العربي” ما تزال خجولة ومكتومة الصوت ومكبّلة اليدين وممتنعة حتى عن التصاريح الكلامية بهذا الخصوص.
فأميركا تتحرك في كافة الإتجاهات لإدانة الحوثيين لإقدامهم على التصدي للسفن العائدة إلى العدو الإسرائيلي أو من يدعمه من البلدان الغربية، عند مرورها عبر “باب المندب” جنوب البحرالأحمر، في حين أن هذه القوى الغربية التي تدّعي الديمقراطية والدفاع عن حرية الشعوب تقوم بمد العدو بمختلف أنواع الأسلحة الفتّاكة والمدمّرة وتغض النظرعمّا يرتكبه من جرائم وما يخطط له من ممارسات ومشاريع بحق شعوب المنطقة والتي يمكن تسميتها بحق أنها جرائم إبادة عنصرية.
وقد إنتفض هذا “الغرب” أو بعضه في وجه عدد من الدول الغربية التي لم تستطع “إبتلاع” هذه الجرائم الإسرائيلية وطالبت كما هو حال ألمانيا وجنوب أفريقيا وغيرها بوجوب إدانة إسرائيل والوقوف في وجه آلتها الحربية ومعاقبتها أمام القضاء الدولي وفي المقابل السعي للتضامن مع شعوب المنطقة من فلسطينيين ولبنانيين وتقديم كل أنواع الدعم للمتضررين من حرب الإبادة الإسرائيلية التي مضى عليها 100 يوم وتزداد شراسة وعدوانية نتيجة هذا التراخي في التعامل مع قضايا الشعوب وآلامهم وحقوقهم.
وبهذا الخصوص آلا يشعر كل غربي مسؤولا كان أم مواطنا عاديا بالخجل والإنفعال حين يتابع أخبار وأحوال الناس والبشر على أرض غزة وكل منطقة تتعرض للهمجية الإسرائيلية التي تمنع الغذاء والدواء وكل متطلبات الحياة عنهم وعن عائلاتهم ودفعهم للموت في العراء جوعا وعطشا ومتألمين من جراحهم ومن آثار الدمار والقنابل والأسلحة المحرمة دوليا والتي شاء بعض الغرب أن “يرخّص” للعدو بإستخدامها بل يقوم بمدّه بكل أساليب وأدوات الحرب الفتّاكة؟!
لقد آن الأوان لتحرّك شعوبنا وأمتنا لمساءلة ومواجهة إسرائيل وحلفائها والدفع بمجرمي الحرب هؤلاء لمحاكمتهم على جرائمهم ومخططاتهم وما قد تكشفه هذه الملاحقات من معلومات ووقائع وإتفافات. ولم يعد خافيا على أحد ما يقدمه الغرب من دعم ضدّ شعوب وبلدان المنطقة لاسيما لجهة سعي إسرائيل لإقامة سياج حماية لها وللحفاظ وإمتلاك الأراضي والمدن التي إغتصبتها بالقوة والقمع لتكون الشرطي المدلل للغرب ضد بلدان وشعوب المنطقة. سيما وأنه لم يعد أحد من بلدان المنطقة بمعزل عن هذه الشرور والعواقب الوخيمة والتي وصلت إلى صميم الإبادة البشرية الجماعية.
فهل هناك من يسمع ويعي خطورة هذا الواقع الذي أمعنّا الغرق في لُجّته بكامل إرادتنا دون التبصّر بالمخاطر والمظالم والأهوال التي تنتظرنا جميعا في حال إستمرينا في الغرق دون القيام بأي تحرك في محاولة لإنقاذ أنفسنا وبلداننا قبل الإنحدار الأخير إلى المجهول المعلوم!!
ولا بد من التوجه بالتقدير إلى جنوب أفريقيا التي سارعت إلى إتهام إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، أعلى هيئة قضائية أممية، بإنتهاك إتفاق منع جريمة “الإبادة الجماعية” والمعاقبة عليها معتبرة أن الهجوم الذي شنته حركة حماس في 7 تشرين الأول لا يمكن أن يبرر ما ترتكبه تل أبيب في قطاع غزة من جرائم وويلات.
هذا وقد بدأت جلسات المحاكمة التي تتواجه فيها إسرائيل وجنوب أفريقيا التي إتهمت الدولة العبرية بإرتكاب أعمال إبادة في القطاع، بينما وصفت إسرائيل الإتهامات بأنها “تشهير”، حيث بلغ عدد صفحات الشكوى 84 صفحة رُفعت إلى “العدل الدولية” التي تتخذ من “لاهاي” مقرا، وحضّت جنوب أفريقيا القضاة على إصدار أمر عاجل لإسرائيل بتعليق فوري لعملياتها العسكرية في القطاع.
وقال وزير العدل في جنوب افريقيا رونالد لامولا “لا يمكن لأي هجوم مسلح على أراضي دولة مهما كانت خطورته، أن يقدم أي تبرير لإنتهاكات الإتفاق، فيما أشارت المحامية من وفد جنوب أفريقيا إلى المحكمة “أن الوضع بلغ حدا بات فيه خبراء يتوقعون موت عدد أكبر من الناس جراء الجوع والمرض نتيجة أفعال عسكرية مباشرة” محذرة من أن إسرائيل دفعت السكان في غزة إلى حافة المجاعة.
في هذه الأثناء واصلت إسرائيل قصفها العنيف على جنوب القطاع لاسيما على خان يونس في اليوم المئة للحرب التي اودت ب 23469 شخصا، بينما خلص وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في ختام زيارة قام بها إلى مصر “إلى أن مختلف الأطراف غير راغبين بتوسيع الحرب إلى نزاع إقليمي”.
وبعد هذا الإتهام من قِبل جنوب افريقيا لإسرائيل أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي بأنها تنتهك إتفاق منع جريمة “الإبادة الجماعية” والمعاقبة عليها، مطالبة بوقف فوري للحملة العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة، إدّعت إسرائيل أمام المحكمة أنها لا تسعى إلى تدمير الشعب الفلسطيني (!!!) في غزة في إطار تقديمها لحججها في الدفاع عن نفسها، وأوضحت في إفتتاح اليوم الثاني من جلسات الإستماع “ان العمليات العسكرية التي تنفذها في غزة هي عمل من أعمال الدفاع عن النفس ضد حماس والمنظمات الإرهابية الأخرى” (يكاد المجرم يقول خذوني) في محاولة من تل أبيب للإفلات من إتهامات جنوب أفريقيا.
والمضحك المبكي في آن معا أن المستشار القانوني لوزارة الخارجية الإسرائيلية قال: في تصريح له أن “جنوب افريقيا قدّمت قصة مشوّهة بشكل صارخ” وأضاف: “إذا كانت هناك أعمال إبادة جماعية فقد إرتُكِبتْ ضد إسرائيل” معتبرا أن مطالبة جنوب أفريقيا بوقف فوري للحملة العسكرية الإسرائيلية في غزة تسعى إلى تقويض حق إسرائيل الأصيل في الدفاع عن نفسها… وجعل إسرائيل عاجزة عن الدفاع عن نفسها… فهل من مستمع عربي لهذا التلفيق الإسرائيلي أمام أكبر محكمة دولية في العالم؟ .