لا ينفك رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع ينادي ويكرر في شكل شبه يومي لازمة ضرورة اجراء انتخابات نبيابية مبكرة. شأن طبيعي جدا تكراره هذا، ما دام يعتبر ويصر على ان لا حل للازمة القاتلة المعلّق عليها مصير وجود لبنان الكيان والدولة، الا باعادة تكوين سلطة جديدة تمثل تطلعات وطموح ما تبقى من شعب لبنان الذي يبكي ماضيه ويبحث عن نقطة امل في ظلام مستقبله.
طرح معراب تبدو تغرد وحدها في سربه، فالحلفاء، او من تبقى منهم، يرفضونه قبل الخصوم، ليس لاستحالة ترجمته العملية بل خشية فقدان مواقع كسبتها المنظومة الحاكمة في الانتخابات الاخيرة، فهي في رأي جعجع ستفقد معظمها ان انجز الاستحقاق اليوم، استنادا الى المزاج الشعبي والواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والامني.
لا يرى رئيس “القوات” في دعوة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي عقد مؤتمر دولي لطرح قضية لبنان بابا للخروج من الازمة ولو انه يؤيدها بشدة، فهي كناية عن صرخة وجع ويأس من اداء وممارسات السلطة الحاكمة. ويقول جعجع في حديث لـ” المركزية” ان الطرح البطريركي يعني فقدان الامل من كل من يشغل المواقع الدستورية من الرئاسة الى سائر حبات سبحة المنظومة، اذ انه يعلق اهمية كبرى على هذه المواقع لكنه على الارجح ايقن وسلّم بأن لا امل يرتجى مع الطاقم الحاكم و لا امكانية لأي انقاذ، فكان لا بد من طرح الصوت للعالم للمساعدة علّه يسمع النداء. جوهر الدعوة صحيح ونؤيده بالمطلق غير انه لا يؤمن الانقاذ على المدى القريب فيما الوضع لم يعد يحتمل، ويوجب انقاذا سريعا لا نراه الا عن طريق الانتخابات المبكرة. صحيح ان السلطة ترفضها كما من لا تناسبهم حساباتهم الانتخابية لكن الواجب يقضي ان نستمر بتوجيه الدعوة علّ سائر القوى السياسية تقتنع وتقدم مصلحة الوطن على مصالحها الخاصة بهدف انقاذ لبنان من الانهيار المحتم.
ماذا عن الاهتمام الدولي المتزايد عربيا وغربيا بلبنان وهل يمكن ان يؤتي ثماره بالضغط على السلطة للافراج عن الحكومة وتنفيذ المبادرة الفرنسية؟ يؤكد جعجع ان البيانات تبقى مجرد مواقف على رغم اهميتها، لكن “لا احد يحك جلدنا مثل ضفرنا” خصوصا ان دول العالم قاطبة منهمكة في سبحة مشاكل لا تنتهي وليس احد منها في وارد ترك اهتماماته للانصراف الى فك شيفرات ازمتنا. هم يكتفون بتقديم النصح والمشورة وتحكيم الضمائر وتشكيل حكومة مستقلين اختصاصيين لكنهم يبتعدون لعدم التجاوب وبعد معاينة ممارسات الحكام، وهو امر طبيعي ما دامت مصالح هذه السلطة وتحديدا التيار الوطني الحر وحزب الله والحلفاء تتناقض مع مضمون الدعوات الانقاذية.
يصف جعجع ما يجري بين التيار وحزب الله بالملهاة المأساة ويقول : تحالفهم شيطاني اقحم البلد في اتون جهنم. وكل ما يرد في بياناتهم لا اصدق كلمة واحدة منه. لا التيار في وارد فك تحالفه مع الحزب والعكس، فهم من خلال شراكتهم هذه، يسعون الى تحسين مواقعهم ومكاسبهم السلطوية والتحالف مبني على مصالح مشتركة على حساب الدولة. مصالح جهنمية جعلت وجودهم متعلقا بارتباطهم هذا، فإن فكوه سقطوا وفقدوا عنصر قوتهم الاساس. فليطمئن القلقون تحالف مار مخايل لا يمكن ان يحله اي من الطرفين.
ويضيف: اما المضحك المبكي فهو ما ورد في بيان التيار عن ان حزب الله لم ينفذ بند بناء الدولة ومكافحة الفساد… فهل يعقل لحزب هو anti دولة ان يبني دولة؟ ثم ماذا عن اداء التيار بالنسبة الى بنائها ومكافحة الفساد .فالرئيس ميشال عون منذ استلم الحكم، سرت اوسع موجة فساد والاتهامات اكثر من ان تحصى لجهة التوظيفات العشوائية والمحسوبيات في الادارة، والتشكيلات القضائية المجمدة ناهيك عن مسلسل المأساة المتواصل مع الكهرباء وصولا الى انفجار مرفأ بيروت وما سبقه واعقبه وفصول تعداد حصيلة ممارساتهم في السلطة لا تنتهي. الطرفان متعادلان في بند الفساد والدولة.
ويختم مع اصرارنا الكبير على الحل عبر الانتخابات النيابية المبكرة، واذا تعذر ذلك، انذاك يمكن الاتكال على المنظومة الحاكمة لانها بممارساتها هذه ستسقط نفسها بنفسها، ويغرق المركب بمن فيه.