شعار ناشطون

تهافت الموقف اللبناني من غزو أوكرانيا: استدراج عروض أميركية

26/02/22 06:49 am

<span dir="ltr">26/02/22 06:49 am</span>

منير الربيع – المدن

شكل التعاطي الرسمي اللبناني مع الاجتياح الروسي لأوكرانيا فضيحة بكل المعايير السياسية، وفق أبسط القواعد الديبلوماسية. وهنا لا مجال للدخول في نوع من تقييم الحدث سياسياً حول تأييده أو معارضته، ولا نقاش في مسألة رفض هذا الاجتياح الذي يؤسس إلى تغيير جيوستراتيجي في أوروبا. وفي الحدّ الأدنى لا بد من التعاطف مع الضعيف ضد القوي الذي يجتاح، ولا بد من لعن الجغرافيا الظالمة. ولكن هذا يبقى موقفاً مبدئياً وأخلاقياً.
تهافت المواقف وتناقضاتها
أما موقف الدولة اللبنانية فلم يكن من هذه المنطلقات. وهي لا تلام وحدها على موقفها. فالمتحمسون للاجتياح الروسي يعتبرون أن ما يجري كسر للهيمنة الأميركية والخروج من الأحادية القطبية، أو يؤيدون التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا لحماية الأمن القومي. وهؤلاء يهاجمون السعودية مثلاً، على تدخلها في اليمن لحماية أمنها القومي. ويهاجمون تركيا على التدخل في سوريا أيضاً لحماية أمنها القومي، ويبررون لروسيا ما تريده.

كل هذا التضارب والتناقض دليل على انعدام الاتزان السياسي في موقف الأفرقاء المختلفين في التوجهات في ما بينهم. وهو دليل على انعدام الرؤية السياسية الواضحة، والتي يفترض أن توائم بين المصلحة السياسية والاستراتيجية للدولة، وبين مصالح الناس التي تُسحق في مثل هذه الصراعات. والغريب أيضاً أن يصدر موقف يدين الدخول الروسي إلى أوكرانيا من أطراف لطالما كانت تنادي بالذهاب إلى الشرق والتحالف المشرقي بقيادة روسيا التي تحمي المسيحيين. وهذه كلها مواقف موثقة بالصوت والصورة لرئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس التيار العوني جبران باسيل. وجاء الموقف أيضاً ضد أبناء الفريق الواحد، الذين يؤكدون دوماً أن روسيا جاهزة لمساعدة لبنان وإمداده باحتياجاته من الطاقة والمساعدات العسكرية وغيرها. والموقف هذا يبرر لحزب الله الاستمرار بخرق سياسة النأي بالنفس. ويخرج الحزب ليدين البيانات التي تصدر عن وزارة الخارجية اللبنانية، التي تدافع فيها عن السعودية مثلاً، ضد الهجمات الحوثية التي يضعها حزب الله في سياق الردّ على الضربات السعودية في اليمن.

هذا كله يشير إلى انحطاط المستوى السياسي، بعيداً عن أي حسابات استراتيجية، أو خط بياني واضح. وهو دليل على أن السياسة بالنسبة إلى الأفرقاء اللبنانيين، هي ما يرتبط بمصلحتهم الضيقة والشخصية.

استدراج عروض وتواقيع
ولكن لماذا صدر بيان الخارجية اللبنانية؟ لا تخفي المصادر أن البيان صدر بناء على طلب أميركي- فرنسي واضح ومباشر منهما بضرورة إدانة الاجتياح الروسي. ولم يكتف لبنان بإدانة الحرب أو أي صراع عسكري من شأنه أن يلحق الضرر بالسكان ويؤدي إلى تهجيرهم، بل دعا روسيا إلى وقف العمل العسكري فوراً. وهذا ما يدعو إلى الضحك طبعاً. وكان رد الفعل الروسي عنيفاً تجاه لبنان، فيما ظهر واضحاً أن الهدف هو إرضاء الأميركيين أو استرضائهم.

تقود هذه السياسة إلى تعرية لبنان، وإلحاق البهدلة به بعد البهدلة، في مؤشر واضح لاستعداده لتقديم كل ما يطلب من أركان السلطة، قبل الحصول على أي شيء بالمقابل. وتندرج هذه المواقف في سياق استدراج العروض والبيع والشراء. فأبدى أركان السلطة استعداداً لمنح التوقيع على بياض من دون ضمان النتائج. وهكذا نصبح في حال من التوقيع المستدام، بعدما وقعنا ووقع البلد.

وعلى الرغم من أن رئيس الجمهورية كان قد قال سابقاً: “يستطيع العالم أن يسحقني ولا يأخذ توقيعي”، ها هو يوقّع عند أدنى مطلب من الأميركيين: من عدم توقيع تعديل المرسوم 6433، وسحب التوقيع على الرسالة التي وجهت إلى الأمم المتحدة، والتوقيع على إدانة اجتياح روسيا أوكرانيا، وغيرها الكثير.

استعراض بليد
ولا تقتصر الفضيحة على لبنان، بل تطال الاستراتيجية الأميركية الواضحة، والتي فضحها الرئيس الأوكراني عندما قال إن بلاده وجدت نفسها وحيدة، وسط استعراض أميركي وأوروبي بليد في الدفاع عن أوكرانيا. وهو دفاع اقتصر على تقديم دعم مالي وعسكري متأخر جداً، أو على الدعوة لعقد جلسة لمجلس الأمن. والمعروف سلفاً أن موسكو ستستخدم فيها حق النقض.

وتستمر الفضيحة في ترك روسيا تتوسع عسكرياً، مقابل فرض عقوبات مشابهة للعقوبات التي فرضت على إيران وسمحت لها باجتياح العالم العربي والسيطرة على دول عربية أربع. فقد تم تحييد قطاع النفط الروسي من العقوبات، ولم يتم إخراج روسيا من النظام المالي العالمي. وهذه فضيحة بمعايير كبيرة حول السياسة الأميركية في العالم، والتي خبرها اللبنانيون وغيرهم في منطقة الشرق الأوسط. لتبدو النتيجة وكأن كل مكان تتدخل فيه الولايات المتحدة الأميركية، يحقق تدخلها المكاسب لروسيا. وهذه نتيجة واضحة، من اجتياح القرم إلى كازاخستان، واليوم أوكرانيا.

تابعنا عبر