منير الربيع – المدن
الوفد والمساحة البحرية
وأعقب بيان وزارة الدفاع تسلّمها كتاباً من قيادة الجيش، يتضمن لوائح إحداثيات الحدود الجنوبية والجنوبية الغربية للمناطق البحرية اللبنانية، بعدما تبين أن للبنان مساحة إضافية تفرض تعديل المرسوم 6433. ومنذ اليوم الأول لتشكيل الوفد المفاوض لترسيم الحدود، بدأت السجالات حول الوفد: مسألة مشاركة مدنيين فيه أو عدم مشاركتهم، علماً أنها مفاوضات تقنية بحتة. وكذلك حول الحاجة إلى تعديل المرسوم، لأن الوفد اللبناني إلى الجلسة الأولى أعد ملفاته على أساس أن ما يحق للبنان هو مساحة أكبر بكثير من مساحة 860 كلم مربع.
وتشير مصادر متابعة إلى أن الوفد المفاوض، اشترط منذ اليوم الأول عدم ذهابه إلى المفاوضات من دون حصوله على دعم واسع ومباشر من السلطة السياسية. وقد نجح في انتزاع بيان واضح من قيادة الجيش ورئيس الجمهورية، وسط معطيات تفيد أن الوفد كان واضحاً لجهة عدم ذهابه للتفاوض على مساحة 860 كلم مربع فقط، ولا على خطّ هوف. ذلك أن الدراسات والخرائط التي بحوزته، تؤكد حق لبنان بالحصول على مساحة 2290 كلم مربع.
ومنذ اليوم الأول كان الوفد يرفض الالتزام بالنقطة 23، مركّزاً على أن حق لبنان يتجسد في النقطة 29، ومنها يجب أن ينطلق في مفاوضاته. أما بشأن السجالات التي أثيرت حول الوفد المفاوض، فتقول مصادر قريبة من الوفد إن الأعضاء الأربعة يتكاملون في ما بينهم، ولا يمكن فصل أحدهم عن الآخر، لا في مسألة النقاط المحددة ولا في الترسيم. وهنا يبرز التكامل والتشابه بين الدراستين اللتين أعدهما كل من العقيد مازن بصبوص والخبير نجيب مسيحي.
رؤية متكاملة
وتشير المعلومات إلى أن بصبوص ومسيحي لا يعرف أحدهما الآخر، وتعارفا مصادفة في ندوة خصصت لمناقشة ملف الترسيم. وتبيّن أن الرجلين ينطلقان من خلفية واحدة ويلتقيان على منطلقات واحدة، ما استدعى حاجة كل منهما إلى الآخر. ومنذ ذلك الحين بدأ التفاهم بينهما.
وتنفي المصادر المطلعة أي خلفية سياسية وسواها، لكل ما جرى وأُثير في الإعلام. وتؤكد المصادر أن طرح تغيير المنطلقات، بدأ في جلسة التفاوض الأولى. وكان هناك توافق لبناني كامل حول هذه المسألة. ولم يحصل أي تغيير بناءً على متغيرات سياسية.
وشهدت الأيام الماضية شروحات متعددة لكل ما جرى في ندوات شارك فيها الوفد المفاوض، وجرى التشديد على ضرورة إصدار مرسوم يعدّل مساحة لبنان في الأمم المتحدة. وهذا الأمر فوائده كثيرة في حقوق لبنان البحرية. وتقول المصادر: “بناء على قوانين الأمم المتحدة، يمكن تعديل المرسوم من طرف واحد. وهناك نماذج عالمية كثيرة للجوء الدول إلى تحديد حدودها لدى الأمم المتحدة، فتوفر بذلك الحماية القانونية لنفسها، وانطلاقاً من تلك المساحة يبدأ التفاوض”.
ويرفض الوفد اللبناني الالتزام بخط هوف أو بالخط 23، لأن ذلك يظهر انحيازاً كاملاً لإسرائيل. ولا يمكن للبنان القبول بـ860 كلم، فيما حقه 2290. وهو قادر على تحصيل مساحة أكبر بكثير من مساحة الـ860، وهذا سيعدّ إنجازاً للبنان.
إيجابيات التعديل
ومن إيجابيات تعديل المرسوم، حفظ حق لبنان، وقطع الطريق على الانحياز الأميركي لإسرائيل، وخصوصاً في اعتبار صخرة “تخيليت” جزيرة، بينما هي لا تمتلك مواصفات الجزيرة، لافتقادها لأي مقوم من مقومات الحياة. وبتعديل المرسوم يتخطى لبنان بحدوده هذه الجزيرة، ويصل إلى منتصف حقل كاريش الذي تسعى إسرائيل إلى عمليات التنقيب فيه. وإصدار لبنان مرسومه، لا يمكّن شركات النفط العاملة هناك من استكمال عملها. وهذا يدفع الإسرائيليين إلى المسارعة في طلب العودة إلى طاولة التفاوض. وعندها يكون لبنان قد حقق إحدى أوراق القوة، ويبدأ بالتفاوض على مساحة بناء على نقطة 29.
ومن الإيجابيات أيضاً، أن إسرائيل في حاجة ملحة لإنتاج الغاز، وحركة لبنان تؤدي إلى إعاقتها وإجبارها على تقديم تنازلات. وتضع شركة إنرجين في مأزق قانوني يدفعها إلى الضغط على إسرائيل لتقديم التنازلات.
أما عن الكلام على أن توقيع المرسوم وإيداعه لدى الأمم المتحدة بمساحة 2290 كلم مربع، يقود إلى إظهار لبنان في موقع المتراجع أو الخاسر، فترفض المصادر هذا المنطق رفضاً قاطعاً، وتقول: “الذهاب إلى التفاوض على أساس 860 كلم هو الذي يعد تنازلاً، لأن أي مبدأ تفاوضي يدفع الطرفين إلى التنازل. لذا، لا يمكن للبنان أن يحصل 860 كلم في حال فاوض على المساحة نفسها، بل سيخسر منها.
ولذلك، يؤدي التفاوض على 2290 كلم إلى تحصيل لبنان مساحة أكبر بكثير من 860 كلم. وهذا سيكون له مردود نفطي كبير جداً أيضاً، ويستفيد منه الشعب اللبناني مستقبلاً.
التوافق السياسي
أما عدم تعديل المرسوم، فيبقي الخلافات داخل المساحة اللبنانية، وخصوصاً داخل البلوكين 8 و9، ما يؤثر على عمل شركات التنقيب في لبنان، ويدفعها إلى المغادرة. أما إقرار المرسوم، فينقل النزاع إلى الجانب الإسرائيلي وبين الإسرائيليين والشركات العاملة لديهم. وإسرائيل تحاول حالياً الاستثمار في الخلافات اللبنانية، لاستمرار العمل في حقولها والبدء بعمليات الاستخراج. لذلك، تشدد مصادر الوفد المفاوض على ضرورة إجراء تعديل المرسوم لمنع إسرائيل من استغلال هذا الخلل.
ويحتاج لبنان لتعديل المرسوم إلى قرار سياسي، يمكنه من حماية حقوقه البحرية، ولا سيما أحد أكبر حقول الغاز داخل البلوك رقم 9، والذي تحاذر الشركات الاقتراب منه بسبب الخلاف حوله.
وحالياً لا يزال المرسوم في الأدراج. وهناك خلاف حول الجهة المعنية في توقيعه. أما الوفد فلا يهمه من يوقع، فأي شخص يمتلك صفة رسمية في الدولة اللبنانية، يمكنه تقديم رسالة إلى الأمم المتحدة، وحفظ حق لبنان بموجبها.
وتعديل المرسوم أرسل إلى رئاسة الحكومة، لكن الرئيس حسان دياب لا يزال يصر على توفير التوافق السياسي حوله.