منير الربيع – المدن
منذ أيام ويشهد الجنوب اللبناني حالة استنفار دائمة بين الجيش اللبناني من جهة، وجيش العدو الإسرائيلي من جهة أخرى. يتصل الاستنفار المتبادل بتطورات متعددة، بعضها يرتبط بالتصدي لأي محاولات إسرائيلية للاعتداء على الأراضي اللبنانية، وبعضها الآخر يهدف إلى تثبيت الوقائع على الأرض وقواعد الاشتباك. فيما يبقى جانب أساسي لا يمكن إغفاله، بأن تثبيت هذه الوقائع يتصل بشكل أو بآخر باستباق أي مفاوضات غير مباشرة ستجري في المرحلة المقبلة، بهدف الانتهاء من تثبيت الحدود البرية، وإيجاد حلّ للنقاط الـ13 المختلف عليها، أو التي يتحفظ عليها لبنان، ويطالب بحسمها لصالحه وانسحاب الجيش الإسرائيلي منها.
الحدود والتسوية السياسية
صحيح أن مسألة تثبيت الحدود البرية ارتبطت مؤخراً بملفات متعددة، كان أبرزها محاولة الإسرائيليين تشييد طريق في مزرعة بسطرة، والتي عمل الجيش اللبناني على قطعها. لكن في المقابل، شيد لبنان الطريق التي تم شقها في خراج بلدة كفرشوبا، وعمل على تزفيتها. وذلك بغية تثبيت لبنانيتها. وما طرأ أيضاً على هذا الملف هي المعادلة التي جرى التداول بها حول انسحاب القوات الإسرائيلية من بعض هذه النقاط، والتراجع عن تسييج الجزء اللبناني من بلدة الغجر، في مقابل تفكيك حزب الله للخيميتن اللتين عمل على تشييدهما داخل الأراضي المحتلة، أي خارج نطاق الخط الأزرق أو خط الانسحاب. وهذا أيضاً ما يطالب لبنان بتثبيته ضمن أراضيه، وفي أي سياق لتثبيت الحدود أو الإنتهاء من عملية إظهارها.
أمام هذه الوقائع، هناك سؤال أساسي يمكن طرحه، إذا ما كان ملف تثبيت الحدود البرية أو إظهارها يمكن أن يكون عنصراً أساسياً من عناصر إنتاج التسوية الرئاسية في لبنان. لا سيما أن اللبنانيين يعرفون تماماً كيفية ربط استحقاقاتهم الداخلية بالتطورات الخارجية. وهنا لا بد من العودة في الذاكرة إلى الماضي، وفترة ترسيم الحدود البحرية الجنوبية. في حينها وما بعدها، قيل الكثير في لبنان عن عدم الحصول على المقابل السياسي أو المكاسب المتصلة بإنجاز هذا الملف، باستثناء السماح لشركات التنقيب بالبدء بالعمل. وعليه هناك ثمن بمفعول رجعي ستسعى القوى السياسية، ولا سيما الثنائي الشيعي، للتفاوض على تحصيله. وهو ما سيكون مضافاً على أي طروحات تتعلق بإيجاد الحلول لملف إنهاء مسألة الحدود البرية.
القرار للحزب
لبنانياً أيضاً، هناك من يعتبر أن أي حل للملف الرئاسي أو الشروع في تسوية سياسية شاملة لا بد له أن يكون مرتبطاً بسياقات وتطورات خارجية، وأبرزها على خطّ التفاوض بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران. ما يعني أن ملف إظهار الحدود البرية الجنوبية يمكن أن يكون أحد عناصر تحديد مسارات التسوية في الداخل، خصوصاً أن التفاوض غير المباشر والقرار النهائي في هذا المجال سيكون لحزب الله، المسيطر بشكل فعلي وعسكري وميداني وديمغرافي على تلك المنطقة. ما يعني أنه هو الذي سيبت بالأمر حتى وإن اتخذ موقفاً خلف ما تقرره الدولة اللبنانية، كما حصل في ملف الترسيم البحري.
في منتصف الشهر المقبل، يفترض أن يزور المبعوث الأميركي لشؤون أمن الطاقة العالمي آموس هوكشتاين، لبنان. وهذه الزيارة ستكون مرتبطة باستمرار التفاوض غير المباشر لإظهار الحدود، وسط معلومات سرّبت سابقاً عن أن اسرائيل قد وافقت على الإنسحاب من النقاط الـ13 مقابل تفكيك حزب الله لخيمته، وأن يكون الجيش اللبناني هو المسيطر على تلك المنطقة. في زيارته الأخيرة إلى بيروت شدد هوكشتاين على ضرورة الانتهاء من هذا الملف، وعلى ضرورة وجود رئيس للجمهورية يكون راعياً للاتفاق.
عملياً، وبشكل غير مباشر، أصبح هوكشتاين أيضاً محفزاً رئاسياً، وهو ما يدفع القوى الداخلية إلى انتظار أي إشارة أميركية في هذا الصدد. وهنا تنقسم الآراء مجدداً، حول إمكانية أن يكون الثمن السياسي الذي سيتقاضاه الحزب في الداخل هو ثمن رئاسي مقبل إنجاز الملف الحدودي. في مقابل رأي آخر يشير إلى ان ما يقوم به الجيش اللبناني على الحدود وتثبيت الوقائع هو الذي سيشكل مدخلاً إلى التسوية المقترحة خارجياً في التوافق على قائد الجيش لرئاسة الجمهورية. ولكن حينها لا بد للبحث أن يرتكز على الثمن أو الضمانات التي سيحصل عليها الحزب، ليس سياسياً فقط إنما اقتصادياً وبمجالات أخرى مختلفة.