قدمت المخرجة والكوريغراف كارولين حاتم، عرضها “ترانزيت طرابلس” على خشبة مسرح المدينة، في عدة حفلات خصصتها لبيروت بعد عرض في طرابلس وإقامة فنيّة في المانيا، حيث حملت نصها المقتبس إلى هناك حيث موطنه الأصلي وهو رواية للكاتبة أنا سيغرز. وعرضت للمرة والأولى قبل عام في “الأكاديمي دير كونست” في برلين بالشراكة مع مسرح الشاوبون.
“ترانزيت” للكاتبة الألمانية أنا سيغرز، تعتبر واحدة من كبار الكتّاب الروائيين في أوروبا، كتبت في وطنها وفي منافيها روايات رسمت الصورة البانورامية للمجتمع الألماني في زمن النازية ولا سيما روايتها الأشهر “الصليب السابع” عام 1941، التي تعتبر من أبلغ ما كتب من روايات مبكرة عشية الحرب العالمية الثانية.
في روايتها “ترانزيت” التي كتبت عام 1944، تدور احداثها في مدينة مارسيليا الفرنسية حيث يتمكن بطل الرواية من الهرب من الاضطهاد النازي الى المدينة الفرنسية وفي جعبته حقيبة صديقه، الكاتب الذي انتحر خوفا من ملاحقته، وفيها مخطوطة وخطابات وتصريح الحصول على تأشيرة من السفارة المكسيكية.
تفتح مرسيليا أبوابها فقط لمن يستطيع أن يثبت أنّ إقامته بها مؤقتة. وتزداد طلبات الحصول على تأشيرات الدول المضيفة، وتأشيرات العبور. يتذكر بطل الرواية أوراق صديقه الكاتب المنتحر وينتحل هويته، وينغمس كلية في حياة اللاجئين، فيتابع أحاديثهم في أروقة الفندق الصغير، والقنصليات، والمقاهي، والحانات التي تطل على الميناء. متسائلا ما فائدة المضي في السفر؟ هل يمكن بدء حياة جديدة في مكان آخر؟ كل هذه الأسئلة سوف تتغير عندما يلتقي بسيدة غامضة ويقع في حبها.
هذه الرواية العاطفية التي يتخللها الهروب والغربة والتوق الى مكان يكون بمثابة موطن، اقتبستها المخرجة كارولين حاتم لتدور احداثها في لبنان، حيث ينتظر اللبنانيون واللاجئون السوريون تأشيرة خروج أو فرصة للفرار وليصبح بطل الرواية لاجئاً سورياً أراد من لبنان نقطة عبور الى العالم الخارجي فنتبعه في شوارع وفنادق واسطح بيروت قبل أن ينتقل إلى طرابلس وشوارعها ومقاهيها وواجهتها البحرية.
ترانزيت طرابلس
في مساحة غير محددة ومرتفعات بمستويات عدة واضاءة جانبية، بنيت سينوغرافيا (فيليكا باندورو) “ترانزيت طرابلس”، مع ممثل واحد (جوزف عقيقي) وموسيقي مرافق في خلفية فضاء العرض (ربيع جبيلي). عناصر عدة من مونولوغات وموسيقى وغناء ورقص حرّ وانفعالات متفلتة تستحضر النص الأصلي الذي كتب عام 1941. فتقارب مدننا الآن حيث اللاجئ الشاب اللمّاح والرافض للمثل والعقائد التي تؤطره وتجعله رجلاً على مقاييس ومعايير مجتمع على شفير الانهيار. باللهجتين السورية واللبنانية المتداخلة يروي لنا الشاب حكاية فراره من سوريا إلى لبنان حيث من المفترض أن يكون مكان عبور، لكنه يعود دائما إلى تفلته ورفضه للمسارات المرسومة للأشخاص الذين يعانون من حالات الحرب والعنف ويرغبون في الهروب منها، لكنهم يرفضون تقلبات الزمان والمكان عليهم. يتساءلون ماذا يعني أن تأتي من مكان وماذا يعني أن تنتقل إلى مكان آخر؟ هل من حق للحركة في هذا العالم ام مجرد اسطورة من اساطيره؟
يتحرك جوزف عقيقي وسط هذه الأسئلة المتقلبة بصوته وجسده المتفلت، يبرز على مدى ساعة ونصف أدواته كممثل مشغوف يتنقل على طول الشاشة وعرضها بحركات مرسومة بدقة كوريغرافية من كارولين حاتم، وبإيقاع منضبط اختارته كارولين حاتم بعناية مع أداء ربيع الجبيلي وصوته ولحنه وتوليفه لبعض الأغنيات، التي منحت للعرض هويته المحلية ولاسيما في تعداد أسماء شوارعه وزواياه وثقافته ولغته وطعامه. تقول المخرجة كارولين حاتم: “من السهل أن نجعل هذه القصة قصتنا وأن نطابقها مع السيناريو المرسوم لنا. ولكن لم أركز في اقتباسي لرواية أنا سيغرز، على قصة الحب ولا عن معنى المنفى. كان تركيزي على مسار رحلة الشاب الرافض للخضوع، المتمسك بعناده وبأسلوبه العيش في المجتمع، خاصة مثل مجتمعاتنا التي تتعرّض للاهتزاز. ولكن كيف يمكن لنا ان نتشبث في مجتمع منهار؟ تجيب كارولين حاتم: اعتمدت في هذا العرض على لغة الأدب المكان المنقذ كلغة أصلية أو فضاء أخير لقول الحقيقة.
بطاقة عرض:
اقتباس وإخراج: كارولين حاتم – تمثيل: جوزف عقيقي- تأليف وموسيقى حية: ربيع جبيلي
السينوغرافيا: فيليكا باندورو- المنصة في بيروت: ألكسندر هبر- تصميم الأزياء والأجنحة: نور دملوج
فيديو: وليد عبد النور- تصميم الإضاءة: إريك شنايدر- مدير تقني: جيمز شهاب – الرسومات (المشهد الافتتاحي): جان-مارك نحّاس- رسومات إضافية: لوكا نيحاوي، ربيع جبيلي- الإنتاج: يزن (www.yazanbeirut.org)- المنتج المشارك: أكاديمي دير كونست