كتب محمد دهشة في “نداء الوطن”:
ينغّص الغلاء وارتفاع الاسعار على اللبنانيين فرحتهم بعيد الاضحى المبارك، اذ تطاردهم الازمات المعيشية والاقتصادية الواحدة تلو الاخرى لتسرق منهم البسمة وقوت اليوم، وآخرها اضاحي العيد التي تعتبر سنة نبوية شريفة، اذ تأتي هذا العام مثقلة بالهموم، بينما أصبحت حاجة ملحة للكثير من العائلات الفقيرة والمتعففة والميسورة بعدما حلق سعر كيلو اللحمة الى ما فوق 175 الف ليرة لبنانية.
اللافت في الاضاحي اليوم، ان كثيراً من الذين كانوا يقبلون على القيام بها تقرّباً الى الله باتوا عاجزين بعدما تآكلت رواتبهم وقدرتهم الشرائية، خاصة المعلمين وموظفي الدولة، فتراجعت أعدادهم مقابل زيادتها ممّن هم في الخارج الذين اصبحوا يفضّلون “الاضحية” في لبنان، عن اماكن تواجدهم على قاعدة التكافل الاجتماعي، ناهيك عن ان عائلات لم تدخل اللحوم الى منازلها منذ اشهر عدّة وترى في العيد مناسبة لتناول اللحمة بعدما باتت اشبه بالحلم.
في صيدا، تواصل “الرعاية” كعادتها مشاريع الاضاحي سنوياً، تشكّل حلقة وصل بين الذين يرغبون بتقديمها وبين العائلات الفقيرة والمتعفّفة. ويقول مسؤول العلاقات العامة والاعلام غسان حنقير لـ”نداء الوطن”: “إن المشروع هذا العام يقوم على توزيع 14 الف حصة داخل مدينة صيدا وجوارها ومختلف المناطق اللبنانية، بمعدّل 2 كيلو لكل عائلة، ويجري استلامها عبر بون، يحدّد اليوم والوقت والمكان على مدى ثلاثة ايام العيد وفق تقسيم يراعي عدم الازدحام وتسلّمها بسلاسة بما يحفظ كرامة الناس وخصوصيتهم”.
ويؤكد حنقير “ان الاضاحي في ظل الازمة المعيشية باتت حاجة ملحّة، ولكن للأسف الكثير إعتذروا عن تقديم الاضاحي، بل على العكس، فإن بعضهم حرص على تسجيل إسمه كي ينال حصة بعدما ضاقت بهم الاوضاع المالية والاقتصادية، اذ ان الاضحية باتت تعادل رواتب شهرين من موظفي القطاع العام، وهذا مؤشر على ان عائلات كثر لم تدخل اليها اللحمة منذ اشهر”.
وفي ظل الغلاء، اقفلت بعض الملاحم في المدينة أبوابها بالرغم من ان العيد يشكّل موسماً للبيع الوفير، وذلك بعدما قفز سعر صرف الدولار الى ما فوق 22 الف ليرة، وظلّ بعضها الآخر يعمل كالعادة ولكن حركة البيع تراجعت كثيراً، مصحوبة بانقطاع التيار الكهربائي وتقنين المولدات الخاصة. وتقول “أم محمد” الهبش: “لم تدخل اللحمة الى بيتي منذ اشهر، بالكاد نستطيع تأمين الطعام”، قبل ان تضيف: “جئت أسأل عن سعر الكيلو وتفاجأت به يفوق 170 الف ليرة، بالتأكيد لم استطع شراءه، سأحاول نيل حصة من الاضاحي، فالعيد بلا لحمة يأتي بلا بهجة”.
عند بعض مستديرات، تنتشر الاغنام بالعشرات بعدما كانت بالمئات، ينادي اصحابها عليها كأضحية، بعض الناس يقصدهم للسؤال عن الكلفة، كيلو “اللحم مع العظم” بنحو 4 دولارات ونصف، ويقول المختار خالد السنّ: “لقد جئت لشراء اضحيتين، واحدة للعائلة التزاماً بالسنة النبوية وواحدة لفاعل خير اراد ان يتبرّع له للفقراء والعائلات المحتاجة”، مضيفاً ان “ضيق الحال دفع بالعديد من الذين يضحون الى نيل حصص من الاضاحي، اننا ندعو الله ان يكون العيد مناسبة لتشكيل حكومة والبدء بمعالجة مشاكل الناس قبل المزيد من الانهيار نحو الاسوأ”.
وسنة الاضاحي ليست الوحيدة التي تبدّلت مع العيد، فقد خسرت صيدا متنفّساً مهمّاً قبل ايام، يتمثّل باقفال مدينة الملاهي “مرح” التي تقع عند الطرف الجنوبي للمدينة، والتي تعتبر الوحيدة في المدينة ومنطقتها وتشكل ملاذاً للعائلات والاطفال للهو والفرح وبأسعار مقبولة، حيث شوهد عمال وهم يقومون بتفكيك الاراجيح ونقل الاثاث بعدما لم يوافق صاحب الارض على تجديد الاستثمار.
وبينهما، حال الاسواق التجارية ليس افضل، زحمة خانقة وقلة شراء بإستثناء ثياب الاطفال والاحذية ومن المحال الشعبية التي ما زالت اسعارها مقبولة قياساً على ارتفاع سعر صرف الدولار، يعوّض هذا التراجع انتشار بسطات الحلويات الشعبية والالعاب والهدايا التي تحوّلت مقصد الناس بعيداً من المحال. ويقول محمد جرادي: “إنّ السوق مزدحم ولكن للاسف حركة بلا بركة، فغالبية الناس تلهث وراء قوت يومها بعيداً من اي شيء آخر للترف، لقد شطبت من جدول حياتها التبضّع في الاعياد والمناسبات”.