كتب زياد الصَّائغ في Beirutinsights:
هي بيروت أُمّ الشرائع تغتالها غوغاءٌ، وتجتاحها رعونة. لَم يقِف القضاء، كما وقف الجيش اللبنانيّ وقائده في وجه مسار التدمير المنهجيّ للمؤسّسات. مجرَّد الاجتماع عند وزيرة العدل ضربٌ لمحاولة تسييد استقلاليّته. وزيرة العدل كشفت منذ زمن بعيد، وبعضٌ من زميلاتها وزملائها الوزراء الأكاديميّين البَون الشاسع بين أن تحمِل شهاداتٍ وأن تنبري لحوكمةٍ عملانيّة. أمثولةٌ أنموذجيّة ما عاينّاه في الأيام الأخيرة من ترسُّخٍ للدوليشيويّة (دولة/ميليشيا) في مفاصل ما تبقّى لنا من شكلِ حكمٍ.
لَم يقِف القضاء حتّى الآن في وجه منزلقات القضاء على الدّولة. منذ صمَت عن عدم توقيع التّشكيلات القضائيّة كان سقوطه عظيماً. ومنذ صمتَ عن عدم توقيع التّشكيلات القضائيّة كان سقوطه عظيماً. ومنذ الانقلاب على القاضي صوّان، بمعنى ما كان في صددِ استكماله في التحقيق في جريمة تفجير مرفأ بيروت، كان سقوطه عظيماً. صدُقَ من أصرَّ على أنَّ في لبنان قُضاة، لكنّ القضاء يعاني اختراقاتٍ، ومُصادراتٍ، ومُقايضاتٍ، وتقليديّاتٍ في المُسايرة هنا وثمّة. لا يُحقّق العدل إلّا بقساوة الحقّ العادلة. أمّا الاستعراضات الشعبويّة فيُوازيها فداحة الانكفاء إلى مربّعات التمترُس بالمواقع الأماميّة دون نتيجة، ففي هذه الخطيئة المقتلة.
لم نكن في عصفوريّةٍ مشلّعة في الأيّام الأخيرة، وحرامٌ لصق هذه الواقعة السيمائيّة التي تقتبل معالجاتٍ نفسيّة وبيولوجيّة بما عاينّاه من انفلات عُقال العدل. لم نكن في عصفوريّة بل ما نحن فيه حالة من الاستسلام القضائي المرجعيّ لسطوة منظومةٍ سطَت على مقوّماته ولم تزَل. ليست المشكلة حصراً في المنظومة، بل في قواعدها الزبائنيّة المُتغلغلة في كلّ القطاعات، والتي على ما يبدو، وبقدر ما تشعُر المنظومة بانهيارها، بالقدر عينه بدأت تستشرف فقدان منصّات استفادتها المركنتيليّة. الأيّام المقبِلة لن تكون أقلّ اسوداداً، وليس بالإمكان مواجهة المخطّط المنهجيّ في إنهاء ما تبقّى من مؤسّسات قضائيّة سِوى بخيارَين. الأوّل يتمثّل بإطلاق تيّارِ قضائيّ من داخل القضاء يضع النقاط العملانيّة على حروف استقالة الأطُر المؤسّساتيّة القضائيّة من إنقاذ العدل. والثّاني يتجلّى باعتصامٍ مفتوحٍ للمرجعيّات القضائيّة بعد اتّخاذ قراراتٍ حاسمة أبعد من المطالبات المهزلة، فالمسؤول يُقرِّر ويُنفِّذ ،قراراتٍ في الشروع بتنقية القضاء، والوقوف بوجهِ كلّ مستبيحيه من المنظومة.
وفي هذا السياق أيضاً لا بُدَّ لنقابَتَيّ المحامين في بيروت والشمال، أن ينطلِقا في أوسع حملةٍ قانونيّة تُفنِّد المخالفات التي يمارسها القضاء، وتوثِّق انسحاباته من أداء مهامه، وتحثّ الرأي العام على الالتفاف حول القُضاة النّزيهين الأكُفّاء، وتستنفِر الضغط البنَّاء من باب الخير العام على المؤسّسات القضائيّة لوقفِ الانقضاض على ما يُفتَرض أن يؤتي العدل من خلاله نصاباً أخلاقيّاً.
لم نكُن في عصفوريّةٍ أبداً. هذا نهج تبادُل الأدوار النّافر بين حاكمٍ ومتحكِّم. المعركة قاسية والصمود هو الأساس.
بين القضاء… والقضاء.لبنان في لحظة تاريخيّة للتغيير بعيداُ عن الانفعالات الآنية.