شعار ناشطون

بينالي الشارقة الـ16: كل ما نحمله في رحالنا

28/02/25 09:40 am

<span dir="ltr">28/02/25 09:40 am</span>

تتخذ الدورة السادسة عشرة من بينالي الشارقة (افتتحت في 6 شباط/ فبراير وتستمر حتى 15 يونيو/ حزيران 2025) من “رحالنا” ثيمة أو عنواناً لها. وهي بذلك تضعنا أمام مفهوم واسع ومترامٍ، تجسده أعمالٌ لأكثر من 190 فناناً من حول العالم، من بينها 200 تكليف فني جديد متّصل بمواقع العرض على امتداد إمارة الشارقة. وحين يقال “إمارة” فهذا يعني بأن المواقع لا تقتصر على المدينة بل تشمل بلدات ومدناً مثل الذيد والحمرية وكلباء وغيرها.

 

هكذا تبدو عملية تتبع “رِحالنا” في الأعمال المعروضة أمراً صعباً ما لم يكن مستحيلاً، إذ وصلت إلى ما مجموعه 650 عملاً فنياً في مختلف الوسائط، في اللوحة والفوتوغراف والأعمال التركيبية والفيديو والصوت إضافة إلى عروض أدائية وسينمائية وموسيقية في الأسبوع الافتتاحي للبينالي. وقد عمل على تقييمه هذا العام خمس قيمات هن: علياء سواستيكا وأمل خلف وميغان تاماتي كيونيل وناتاشا ماذا نحمل في رحالنا؟

بالعودة إلى “رِحالنا”، فإنه يجسّد -بحسب بيان البينالي- مقترحاً “يحمل في طياته أصواتاً متعددة، ويفتح المجال أمام التأويلات المختلفة، مركزاً على استكشاف قائمة متنامية باستمرار حول ما نحمله في رحلاتنا الحياتية، وكيفية نقل هذه الأحمال إلى العالم من حولنا، ويشكّل دعوة إلى استكشاف الأساليب الفنية المتنوعة والرؤى والتأملات الناتجة عن البينالي. ويسعى أيضاً إلى فهم هشاشتنا في المساحات التي ليست لنا أو التي لا ننتمي إليها، مع الحفاظ على قدرتنا على التفاعل مع هذه الأمكنة من خلال الثقافات التي نحملها معنا”. تأتي هذه الثيمة أيضاً كجسرٍ يربط بين أزمنة متعددة، “متضمنة قصصاً متناقلة عبر الأجيال وأساليب متنوعة من الإرث الثقافي، مما يطرح التساؤلات الآتية: ما الذي نحمله عندما يحين وقت السفر، الهروب، أو الانتقال؟ ما هي المسارات التي نخوضها عندما ننتقل بين الأراضي وعبر الزمن؟ ماذا نحمل عندما نبقى؟ وماذا نحمل عندما ننجو؟”.

 

تلك الأفكار التي يستدعيها مفهوم “رحالنا”، تعيدنا أيضاً إلى الدورة السابقة من البينالي (2023) التي حملت عنوان “التاريخ حاضراً”، وجاءت، على نحو استثنائي، دورة استعادية، حملت ملامح من كل دورات البينالي السابقة تزامناً مع مرور 30 سنة على انطلاقته، بينما اندرجت أعمال الدورة الرابعة عشرة تحت عنوان “خارج السياق”، وتوزّعت على ثلاثة معارض رئيسة هي “رحلة تتخطى المسار” و”صياغات لزمن جديد”، و”ابحث عني في ما تراه”.فوتو كيغام في غزة

في سياق ما نحمله في رحالنا، يحضر الفوتوغراف والأرشيف والعمل التركيبي المتداخل مع الفيديو. ووفقاً لهذه الوسائط، سأقدّم لثلاثة أعمال رئيسة ولافتة ومؤثرة جداً. أبدأ بـ “مصوّر غزة كيغام: فتح الصندوق”، وهو للفنان كيغام دجيغاليان الابن، والاسم متبوعاً بـ “الابن” مرتبط بشكل أو بآخر بالعمل، وهو قائم على الفوتوغراف. فكيغام حفيد المصوّر الأرميني كيغام دجيغاليان الأب (1915–1981)، الذي أسّس في عام 1944 أول استوديو تصوير احترافيّ في غزة، تحت اسم “فوتو كيغام”. وحكاية هذا العمل تبدأ مع عثور كيغام الابن على ثلاثة صناديق في منزل والده بالقاهرة، احتوت على أفلام نيغاتيف، ووثائق، وتذكارات عائلية، لتصبح شاهدة ليس فقط على حياة جده، بل أيضاً على ماضي غزة. وبالتالي تحوّل انشغال دجيغاليان الابن بجده، بوصفه مصوراً وقائماً على إرثه، إلى المضي قدماً في أبحاث سرعان ما تطورت إلى قراءات موسّعة وغير متسلسلة لتاريخ غزة البصريّ.

تضيء الصور على انغماس دجيغاليان الأب الاجتماعي والسياسي في غزة، وتكشف عن حقائق منسية في حياة المجتمع الغزّي، بدءاً من البورتريهات وحفلات الزفاف، وصولاً إلى النزهات، والشواطئ، والحفلات، والجنازات، والمدارس، ومخيمات اللاجئين، والمناظر الطبيعية، والزيارات الرسمية، وغير ذلك؛ لتشكّل لوحة من الصور، وسرداً بصرياً للمدينة وأهلها. وقد احتفظت كل صورة بذكرى، سواء أكانت شخصية أم جماعية، بما يشمل أرضها وسكّانها وتواريخها الشخصية كما كانت عليه ذات يوم.

يحمل العمل “رمز استجابة سريع” يتيح للغزيين أن يرسلوا صورهم الملتقطة في “فوتو كيغام” إلى كيغام الابن، وهذا ما حصل حين قدّم العام الماضي معرضه للمرة الأولى في القاهرة، حيث صار يقصده الغزيون حاملين صوراً عائلية ملتقطة في ذلك الاستديو، وبالتالي، فإن هذا المعرض أو المشروع يبقى مستمراً؛ فمسعى كيغام الابن هو “تفعيل شبكات الأفراد والمجتمعات الغزاوية في المهجر والشتات بشكل أكبر، لإنشاء أرشيف جماعي بديل يضم التاريخين البصري والشفاهي، وتطوير خريطة رقمية تفاعلية تضم هذا المحتوى (البصري، النصي، الشفاهي)، وتوثيق تحركات وتهجير المجتمعات الغزاوية من خلال الصّور الملتقطة في (فوتو كيغام)”.

 

أرشيف حركات التحرر

في الاشتغال على الأرشيف يحضر عمل المخرجة ميلا توراجليك، الذي بدأته منذ عام 2016 من خلال رقمنة الأرشيف السينمائي لحركة عدم الانحياز، إبان الحرب الباردة وفترة ما بعد الكولونيالية، مقدمة في البينالي الأرشيف الشخصي لمصورين سينمائيين هما ستيفان لابودوفيتش (مواليد 1928) ودراغوتين بوبوفيتش (مواليد 1932)، اللذان عملا في استديو “فيلمسكي نوفوستي” في يوغسلافيا السابقة، واشتغلا على الشرائط الإخبارية والدعائية للحزب الشيوعي اليوغسلافي، لكنهما -وهذا ما يشكّل المادة البصيرة لعمل توراجليك- صنعا أفلاماً خاصة بجبهة التحرير الجزائرية أثناء نضالها ضد الاستعمار الفرنسي، ودرّبا كوادر من الجبهة، قبل أن يعملا مع حركة التحرير الشعبية في أنغولا ومنظمة التحرير الفلسطينية حين افتتحت مكاتب لها في الجزائر، ولتقدم المخرجة المنتج الفيلمي الذي أسفر عنه الدعم اليوغسلافي لتلك الحركات، وأفلاماً توثق عمل المصورين مع تلك الحركات؛ والنتيجة كانت مادة أرشيفية هائلة، تتضمن، عدا عن تلك الأفلام، رسائل ووثائق وخطابات ولقاءات متصلة بحركة عدم الانحياز.

 

سرير متشعب وتقويم مائي

ينتمي عملا الفنانة رافايلا نالدي روسانو “سرير متشعب” و”تقويم مائي” إلى ما له أن يكون عملاً تركيبياً بيئياً، تتعدّد فيه الوسائط، بحيث يحضر الفيديو مع تركيبها عناصر متصلة بالبحر وسواحل كلباء والحمرية في إمارة الشارقة، مطوّرة لغة تخاطب مياه البحر مع تعديل الأشكال على نحو متواصل، بينما تصنع السرير في “سرير متشعب” من موادّ فريدة مثل الخشب، وأوتار الآلات الموسيقية، ومواد عضوية مرتبطة بالأساطير البحرية.

تحضر أعمال كثيرة في البينالي على اتصال بالبحر والبيئة في الشارقة كما في عملي روسانو، وهذا ما يغلب على التكليفات الفنية الخاصة به، ومنها ما هو محدد الموقع بمعنى أنها تتخذ من المكان، أي الشارقة، فضاء حيوياً لها، مستمدة فكرتها ومقولتها منه.

تابعنا عبر