كتب ألان سركيس في “نداء الوطن”:
شكّل كلام البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في عظة الأحد صدمة للجميع، خصوصاً عندما تحدّث عن وجود مخطط من وراء عدم تأليف الحكومة، للوصول إلى تأجيل الإنتخابات النيابية وتطيير الإنتخابات الرئاسية.
ليس جديداً على البطريرك الماروني إطلاق التحذيرات والتنبيه من المخططات التي تريد ضرب الكيان والسيطرة على الدولة، لكن الراعي هذه المرّة كان أكثر تصويباً إذ سرد ذاك المخطط والأهداف من ورائه والتي تصل إلى حدود القضاء على الكيان في مئويته الثانية.
ويبدو أن هناك قوى غير متحمّسة لإجراء الإنتخابات، إذ إن الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله نسف أي مسعى لإنتخابات نيابية مبكرة بعد الحديث عن إستقالات لعدد من الكتل في مجلس النواب.
وتشدّد مصادر كنسية على أن كلام الراعي أكثر من واضح ولم يأتِ من عبث، بل إنه ينظر إلى مسار الأمور ويكتشف أن هناك قوى تعرقل مسيرة الإنقاذ، ومن بين هذه التصرفات عدم السماح بولادة حكومة جديدة.
وترى المصادر أن الراعي من خلال تصويبه على مسألة تأجيل الإنتخابات وضع الإصبع على الجرح، فهو لا يناور أو لديه أجندات سياسية أو مصالح خاصة، بل كان يتأمّل خيراً بإمكان تأليف حكومة تضع حدّاً للإنهيار وتتحدّث مع المجتمع الدولي من أجل الحصول على مساعدات عاجلة وضرورية، لكنّ تعنّت كل فريق أدّى إلى إبقاء البلاد بلا حكومة.
وفي السياق، فإن عتب الراعي الأساسي موجّه إلى كل من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلّف سعد الحريري، وكل تقصير من أحدهما سيُسرّع عجلة الإنهيار بدل لجمها.
ويؤكّد الراعي انه ليس فقط مع عدم تأجيل الإنتخابات، بل إنه يؤيّد إجراء إنتخابات مبكرة واليوم قبل الغد، من أجل إعادة إنتاج سلطة تشريعية وتنفيذية تضع خريطة طريق إنقاذية وتحافظ على وجه البلد الذي يتغير.
شكّلت إنتفاضة 17 تشرين 2019 ضربة قوية لمعظم القوى السياسية، وقد برز “التيار الوطني الحرّ” برئاسة النائب جبران باسيل كأكثر الخاسرين شعبياً وسياسياً، وتلاه تيار “المستقبل” برئاسة الحريري، وما لعبة شدّ الحبال بين الحريري وباسيل إلا محاولة لتعويم كل طرف وشدّ عصب الجماهير، في حين أن البلاد تنهار والشعب يواجه الإذلال في كل مكان.
وفي مقارنة بين كلام البطريرك الراعي الأخير عن تطيير الإنتخابات وانتفاضة نائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي منذ فترة، والذي حذّر من مخطط يُعدّه “التيار الوطني الحرّ” شبيه بما حصل بين العامين 1988 و1990، فإن “التيار الوطني” يكون في قفص الإتهام خصوصاً وأن كل الإحصاءات والتحليلات تدلّ على تراجع شعبيته، وسط الحديث عن أن عون لن يترك قصر بعبدا بعد انتهاء ولايته إلا في حالة واحدة وهي انتخاب باسيل خلفاً له.
وتتخوّف بكركي من وجود مخطط من هذا النوع وترفض رفضاً قاطعاً التمديد للرئيس عون، فكيف الحال إذا انتهت ولايته ولم يُمدّد له ورفض مغادرة القصر الجمهوري؟ لذلك فإن حسابات “التيار” في هذا السياق خاطئة إذا ما قرر الدخول في مثل هكذا سيناريو.
ويبدو واضحاً أيضاً أن “حزب الله” الذي يحافظ على قبضته على الساحة الشيعية، مرتاب من النتيجة التي قد يُحقّقها حليفه العوني في الدوائر المسيحية، لذلك فهو غير متحمّس لتلك الانتخابات، لأنه لا يريد أن يخسر في عام واحد الأكثرية النيابية والغطاء المسيحي ورئيس جمهورية ستنتهي ولايته وشكّل الغطاء الأول لدويلته.