شعار ناشطون

بعد “تذاكي” النواب… استدعاء “ألفاريز” من جديد!

02/12/20 02:25 am

<span dir="ltr">02/12/20 02:25 am</span>

كلير شكر – نداء الوطن

صفقّت القوى السياسية جميعها لـ”إنجاز” القرار الذي صدر عن مجلس النواب والقاضي بـ”إخضاع حسابات مصرف لبنان والوزارات والمصالح المستقلة والمجالس والصناديق والمؤسسات العامة، بالتوازي، للتدقيق الجنائي من دون أي عائق أو تذرع بسرية مصرفية أو خلافها”… ولو أنّها تدرك أنّها “مسرحية سمجة” لا تنطلي على أحد، وأنّ مكونات المجلس تواطأت في ما بينها على دفن التدقيق الجنائي. لا حاجة للإشارة إلى أنّ القرار الصادر عن السلطة التشريعية هو مجرد دفع معنوي لا يتمتع بالصفة الإلزامية كونه لم يرتق إلى مصاف القانون وقوته، ما يزيد من الشكوك المحيطة بسلوك الطبقة السياسية التي التقى ممثلوها في جلسة يوم الجمعة البرلمانية، وانتقلوا بسلاسة من جلسة الاستماع إلى رسالة رئيس الجمهورية إلى جلسة ثانية تشريعية الطابع، لكنهم لم يكلّفوا أنفسهم عناء مناقشة اقتراحات لتعديل قانون السرية المصرفية، مع أنّهم متأكدون أنّ العلّة هي في هذه النقطة بالذات.

ولهذا، أحيطت الخطوة التي أقدمت عليها الرئاسة الأولى يوم الاثنين، بعلامات الاستفهام، بعد إحالتها نص القرار الذي صدر عن مجلس النواب في شأن “اخضاع حسابات مصرف لبنان والوزارات والمصالح المستقلة والمجالس والصناديق والمؤسسات العامة بالتوازي للتدقيق الجنائي من دون أي عائق او تذرع بسرية مصرفية او خلافها”. وطلبت رئاسة الجمهورية المبادرة الى اتخاذ الإجراءات القانونية والعملية في موضوع التدقيق المحاسبي المركز على حسابات مصرف لبنان والجهات ذات الصلة وفقاً لقرار مجلس الوزراء الرقم 3 تاريخ 26/3/2020. في الواقع، إنّ ما حصل خلال الأيام الأخيرة يلخّص بالآتي: زركت الرئاسة الأولى مجلس النواب في الزاوية بعد الرسالة التي توجهت بها إليه مطالبة إياه بـ”التعاون مع السلطة الإجرائية من أجل تمكين الدولة من إجراء التدقيق المحاسبي الجنائي في حسابات مصرف لبنان، وانسحاب هذا التدقيق بمعاييره الدولية كافة، إلى سائر مرافق الدولة العامة”، فردّ رئيس مجلس النواب نبيه بري كرة النار من خلال اتخاذ قرار يفتقد إلى القيمة التنفيذية. وها هي الرئاسة الأولى ترمي الطابة من جديد في ملعب الحكومة ووزارة المال بالتحديد. إنها أشبه بلعبة بلياردو يتقاذف فيها اللاعبون طابات التمويه، ليتجنّبوا الطابة الأساس.

عملياً، يعرف كل هؤلاء من أين تؤكل كتف التدقيق الجنائي وما هي مكامن ضعفه: حسابات المصارف الخاصة الموجودة في مصرف لبنان. أما غير ذلك، فلا حاجة للاختباء خلف عذر السرية، ذلك لأنّ الحساب رقم 36 أي حسابات الدولة لا يخضع أصلاً للسرية المصرفية فيما يفترض أن الاتفاق الذي عقدته الحكومة مع شركة “ألفاريز ومارسال” يقضي بالتدقيق في حسابات مصرف لبنان الخاصة به، والذي بالفعل قدّم كل المستندات والوثائق التي طلبتها شركة التدقيق في هذا الشأن. وبالتالي إنّ الجدل البيزنطي وقع أصلاً حول حسابات المصارف الخاصة وما اذا كان بالإمكان الاطلاع عليها من تعديل القانون أم لا، بعد رفض مصرف لبنان السماح لشركة التدقيق بالاطلاع على أرقام هذه الحسابات… وهو لا يزال قائماً.

بالنتيجة، إنّ القرار الذي اتخذه مجلس النواب قد لا يغيّر على الأرجح النتيجة ولا يعالج المعضلة اذا ما اعتبر مصرف لبنان أنّ حسابات المصارف الخاصة محمية بقانون السرية المصرفية ولا يمكن بالنتيجة كشفها من دون تعديل القانون. وكل ما حصل في مجلس النواب هو عبارة عن ضوء أخضر سياسي يتيح الاطلاع على حسابات القطاع العام، من إدارات ومجالس ومؤسسات عامة وصناديق ومصالح، ولو أنّ الرأي القانوني الغالب يقول إنّ المال العام لا يخضع أصلاً للسرية المصرفية. أما حسابات المصارف الخاصة فلم يأت على ذكرها قرار مجلس النواب، ولو أنّ اللبنانيين جميعاً مقتنعون أنّ هذه الحسابات لا سيما تلك “الذهبية” والتي تعود إلى كبار المودعين، والمساهمين في المصارف والمنظومة السياسية التي تحميهم، هي التي تخفي الجزء الأكبر من الفجوة المالية الحاصلة. وبالتالي، ألغاز الهندسات المالية المشبوهة ووجهاتها. وهذا ما تبحث عنه شركة التدقيق. وهي التي تقف السرية المصرفية حاجزاً يحول دون كشف أسرارها. وبعدما كان مصرف لبنان طلب من وزارة المال السماح لشركة التدقيق بالاطلاع على حسابات الدولة، توجه وزير المال غازي وزني أمس بكتاب إلى حاكم مصرف لبنان “تمنى عليه فيه تنفيذ قرار مجلس النواب، وإخضاع جميع حسابات الإدارات العامة للتدقيق المحاسبي الجنائي وذلك وفقاً للقوانين”. وهو كتاب بمثابة تأكيد المؤكد.

من هنا إلى أين؟

نظرياً، سيتوجّه وزير المال، وفق المعلومات بكتاب إلى شركة “ألفاريز ومارسال” من جــــديد ليطلعهـــا على آخر المستجدات السياسية وتحديداً على التوافق الحاصل والذي عبّر عنه قرار مجلس النـــواب ليســألها ما اذا كانت ترغب في استكمال مهمتها في مصرف لبنان.

وفي حال كان جوابها سلبياً، فقد يشرع وزير المال في مفاوضات جديدة مع شركة أخرى تنفيذاً لقرار مجلس الوزراء. عملياً، العلّة ليست في آلية التدقيق والشركة التي ستتولى الأمر، وإنما في تواطؤ الطبقة السياسية على طمر الحقائق.

تابعنا عبر