
طوني عطية – نداء الوطن
أفرزت المحطّة الثانية من السباق البلدي والاختياري في الشمال المسيحيّ، ملاحظات ورسائل سياسية وسوسيولوجيّة مهمّة يجب التوقّف عندها.
أوّلاً، في المشهد العام، أثبت مربّع بشرّي، زغرتا، الكورة والبترون، وعياً سياسياً ومجتمعيّاً لافتاً، حيث لم يُسجّل أي إشكالات أمنية تُذكر، على الرغم من المنافسة الحزبية الحامية والصريحة التي تميّزه نسبيّاً من باقي المحافظات والمناطق. في هذه الأقضية الأربعة، لا تُعَيَّب الهويات والانتماءات السياسية ولا تُغَيَّب، ولا يأسرها سوء المفاهيم وتشوّهاتها المزمنة، التي رافقت تشكّلات السلطة المحلية في لبنان لعقود، عبر تفضيل العائلية على الأطر السياسة، باعتبار أن الأخيرة وفق الذهنيات السابقة، هي عوامل غريبة أو طارئة على المجتمع الأهلي البلديّ، علماً أنّ التنمية المجتمعية والصحيّة والبيئية والزراعية، تصبّ في عمق العمل السياسي والحزبي الحديث. في المقابل، واستناداً إلى الجولة الأولى في جبل لبنان، والأقضية الشمالية الأخرى، كان واضحاً، أن معظم المشاكل الفردية والأمنية وقعت حيث كانت المعارك تُخاض بين العائلات والعشائر.
الملاحظة الثانية المتأتية مسيحيّاً، هي التراجع الملحوظ بلدياً للمجتمع المدني الذي سعى إلى تثبيت حضوره عبر تحالفات عائلية، بعد أن نال حظوته خلال الانتخابات النيابية السابقة (2022) مستفيداً من وهج وموجة انتفاضة 17 تشرين الأول 2019. هذا الواقع يدلّ على أن ما يُحرّك المجتمع الأهلي في الأقضية المسيحية الأربعة، هو الديناميكيات السياسية الواضحة المتجسّدة بالأحزاب السيادية تحديداً. ويؤكّد أيضاً أنّ مسارات التغيير البلدي والإنمائي لا يمكن عزلها عن البنيان السياسي وخطوطه العريضة.
أما الملاحظة الثالثة، فتجلّت في تقدّم القوى السيادية وعلى رأسها «القوات اللبنانية» و «الكتائب» و «حركة الاستقلال» والمحامي مجد حرب وشخصيات أخرى استعادت دورها وحضورها في المجتمع الشمالي مثل النائب السابق سامر سعادة. وإذا كانت القراءة السياسية للنتائج البلدية في جبل لبنان، تستند إلى عيّنات محددة، كجونيه وجبيل والجديدة – البوشرية – السدّ وغيرها طبعاً، حيث خاضت القوى المسيحية معاركها فوق السطح، فإن العيّنات المخبرية في أقضية بشرّي، الكورة، زغرتا والبترون، كانت أكبر وأوسع، مردّها إلى «تسيّس» هذه المنطقة، حيث تسهُل معرفة الألوان والخيوط السياسية من بعضها البعض.
في بشرّي، حصّنت «القوات» عرينها وفازت لوائحها في معظم قرى القضاء، مع استعادة بلديتي بان وطورزا. إذ تجدر الإشارة هنا، إلى أنه عامي 2010 و 2016، تمكّنت اللوائح المدعومة من «التيار الوطني الحرّ» و «المرده» من الفوز بمجلسيها البلديين آنذاك.
في البترون، تصدّرت شكّا الاهتمام السياسي والإعلامي، حيث حققت لائحة «شكا بتستاهل» المدعومة مباشرة من «القوات» و «الكتائب» فوزاً مدويّاً (15 – 0)، برئاسة غابي بطرس مداورة، ونيابة جورج عبود، على الرغم من وجود حوالى 350 مجنّساً. فالبلدة التي تتّصف برمزيتها التاريخية والجغرافية في الوجدان المسيحي، خلعت عن مجلسها رداء «المرده» بعد 30 عاماً.
أما تنورين، فأثبتت مجدّداً أن عاصمة الجرود الشمالية وكبرى بلدات القضاء عاصية عن الاختراق، فشكّلت «القوات» إلى جانب مجد حرب و «الكتائب» لائحة حديدية، وفي الجارة التنّورية شاتين فازت لائحة «قرار شاتين» برئاسة وليد يونس المدعومة «قواتيّاً». إضافة إلى بلدات كفرعبيدة (مدعومة من القوات والكتائب)، وشبطين (مدعومة من القوات وسامر سعادة)، عبرين، زان، كور وغيرها.
هذا الزخم، وصلت تردّداته إلى الكورة، حيث رفعت «القوات» رصيدها في أميون. وفي كفرحزير فازت لائحة فوزي معلوف المدعومة من «القوات». في أنفه، راهنت «القوات» على ثقلها الشعبي وخاضت معركتها المنتصرة بمواجهة الجميع. أمّا في زغرتا، فخلط تحالف «القوات» و «حركة الاستقلال» الأوراق، حيث إن التراكم السيادي في القضاء والتقدّم على حساب «المرده» أدّيا إلى معادلة نصفية، بين «القوات» والنائب ميشال معوّض من جهة، وتيار سليمان فرنجية من جهة أخرى، علماً أنه في انتخابات 2010 على سبيل المثال، كان «المرده» مهيمناً على 10 بلديات من أصل 14.