شعار ناشطون

النّاسخ والمنسوخ في تصريحات خلف الحبتور

18/02/25 06:28 am

<span dir="ltr">18/02/25 06:28 am</span>

زياد عيتاني – اساس ميديا

عندما فتح المسلمون مصر، أتى أهلها عمرو بن العاص فقالوا: “أيّها الأمير، لِنيلِنا هذا سُنّة لا يجري إلّا بها”. قال: “وما ذاك؟”. قالوا: “إذا كانت اثنتي عشرة ليلة خلت من هذا الشهر عمدنا إلى جارية بكر من أبويها، فأرضينا أبويها وجعلنا عليها من الحلي والثياب أفضل ما يكون، ثمّ ألقيناها في هذا النيل”.

فقال لهم عمرو: “إنّ هذا ممّا لا يكون في الإسلام، إنّ الإسلام يهدم ما قبله”.

فكتب أمير مصر عمرو إلى الخليفة عمر بن الخطاب بذلك: “إنّك قد أصبت بالذي فعلت، وإنّي قد بعثت إليك بطاقة داخل كتابي، فألقها في النيل”.

فلمّا قدّم كتابه أخذ عمرو البطاقة فإذا فيها “من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى نيل أهل مصر: “أمّا بعد، فإن كنت إنّما تجري من قبلك ومن أمرك فلا تجرِ فلا حاجة لنا فيك، وإن كنت إنّما تجري بأمر الله الواحد القهّار، وهو الذي يجريك فنسأل الله تعالى أن يجريك”.

فألقى عمرو البطاقة في النيل، فأصبحوا يوم السبت وقد أجرى الله النيل ستّة عشر ذراعاً في ليلة واحدة.

يشعرنا الشيخ خلف الحبتور رجل الأعمال والمال الإماراتيّ أنّ استثماراته في لبنان، كبيرة كانت أم صغيرة، مثلها كمثل تلك الفتاة العذراء التي يلقيها أهل مصر في نهر النيل كلّ عام كي يفيض عليهم.

يمارس الشيخ الحبتور معنا، نحن معشر اللبنانيّين، منهج الناسخ والمنسوخ في تصريحاته المتعلّقة بلبنان. ما إن يطمئننا في تغريدة حتّى يحبطنا في تغريدة أخرى. كثيرة هي المشاريع التي يطلقها عبر الإعلام وأثيره، ثمّ يعود معلناً تعليقها ودائماً عبر الأثير الإعلامي. يتدخّل في الحكومات وتشكيلاتها وفي ما يجب عليها أن تكون. يُقوِّم الاقتصاد اللبناني وثغراته، حتى بات في بعض تغريداته رجل أمن وخبيراً بالحروب والمعارك وقذائف الهاون.

ماذا يريد الحبتور من لبنان؟ هل لبنان يعيش على استثماراته؟ إن كان حبّه للبنان كبيراً فهل من الحبّ ما قتل؟

إعلان وإلغاء

في شهر أيار 2024، أعلن الحبتور في بيان نيّته إطلاق قناة تلفزيونية تبثّ من بيروت، قائلاً: “هدفها نشر الإيجابية والتفاؤل بين الشعوب”. وتابع: “قمنا بإعلاننا هذا بعدما قمنا بالدراسات الأوّلية للمشروع، وتواصلنا مع الجهات الرسمية المسؤولة التي رحّبت ظاهريّاً بهذا الإعلان ووعدت أن تتمّم الإجراءات اللازمة لنتمكّن من الانطلاق بهذا المشروع من دون أيّ تأخير”.

عاد في 30 حزيران بعد شهر بالتمام والكمال ليعلن تعليق المشروع، قائلاً عبر وسائل التواصل الاجتماعي مجدّداً: “فوجئنا ليس فقط بعدم التقدّم في موضوع الإجراءات والتراخيص، بل بحملات السبّ والتخوين والتشكيك الممنهجة التي تعرّضنا لها من مؤسّسات وأفراد”. وسأل الحبتور في تغريدته: “هل المقصود أن نتراجع عن نيّتنا الاستثمار في لبنان؟ أم خلق فُرقة بيننا وبين اللبنانيين بسبب حملات التعدّي والتشويه؟”، ولفت إلى أنّ الاستثمار “مدفوع بحبّنا لهذا البلد”.

في 22/12/2024 كتب على صفحته في فيسبوك متفائلاً: “بالنسبة لي، العودة إلى لبنان ليست زيارة وحسب، بل حلم أشعر أنّه قريب المنال للقاء وطن يحتلّ مكانة كبيرة في قلبي. شوقي لا حدود له، ولديّ إحساس قويّ أنّ لحظة اللقاء بإخواني وأصدقائي في بيروت وجميع المناطق اللبنانية باتت قريبة جدّاً لنحتفل معاً بالمستقبل المشرق المنتظر لهذا الوطن الغالي… أبشروا، الخير قادم”.

في 28 كانون الثاني 2025 أعلن عزمه توقيف استثماراته في لبنان كاتباً عبر حسابه على منصّة “إكس”: “اتّخذتُ، بالتشاور مع مجلس إدارة مجموعة الحبتور، قراراً مؤلماً لم أرغب يوماً في الوصول إليه، لكنّ الأوضاع الراهنة في لبنان، من غياب الأمن والاستقرار وانعدام أيّ أفق لتحسّن قريب، دفعتنا إلى اتّخاذ الخطوات التالية:

– إلغاء جميع المشاريع الاستثمارية التي كنّا نعتزم تنفيذها في لبنان.

– الامتناع عن السفر إلى لبنان، سواء لي أو لعائلتي أو لمديري المجموعة.

يمارس الشيخ الحبتور معنا، نحن معشر اللبنانيّين، منهج الناسخ والمنسوخ في تصريحاته المتعلّقة بلبنان

– بيع جميع ممتلكاتي واستثماراتي في لبنان”.

أشار إلى أنّ “هذه القرارات لم تُتّخذ من فراغ، بل جاءت نتيجة دراسة دقيقة ومتابعة عميقة للأوضاع هناك”.

الحبتور

سؤال المليون

على خلفيّة كلّ ذلك، يُطرح سؤال المليون تيمّناً بصديق الحبتور السابق جورج قرداحي: أما زالت مؤسّسات الحبتور تمارس أعمالها في لبنان بعد كلّ هذه التصريحات؟ في كلّ مرّة أمرّ بساحة سنّ الفيل تحت جسر المشاة الرابط بين فندقَي الحبتور والذي تمّ تشييده بمخالفة قانونية برعاية رئيس الجمهورية الأسبق إميل لحّود، أنظر إلى الفندقين متسائلاً: “هل أقفلا أبوابهما أم ما زالت تلك الأبواب مشرّعة؟ أنظر من شبّاك سيارتي إلى طوابقه باحثاً عن إجابة. هل هناك غرف مضاءة أم تسيطر العتمة على الأرجاء؟ تماماً كما أنظر إلى تغريدات صاحب الفندق بين تغريدة مضاءة وأخرى معتمة ليست فيها أضواء”.

ماذا يريد الحبتور من لبنان؟ هل لبنان يعيش على استثماراته؟ إن كان حبّه للبنان كبيراً فهل من الحبّ ما قتل؟

بالعودة إلى فتاة النيل ورسالة أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب. رسالة مماثلة نرسلها من لبنان إلى الشيخ الحبتور مع كلّ المحبّة والودّ والتقدير: “إن كان اقتصاد بلدنا يقوم على استثماراتك شيخ خلف فلا حاجة لنا بها، ولا خير بوطن يقوم على استثمار فرد من الأفراد، وإن كان اقتصاد بلدنا يقوم على عمل أبنائه وجهد رجاله وتخطيط حكومته نسأل الله السداد والتوفيق”.

مع الانتهاء من كتابة هذه الأسطر كتب الحبتور مجدّداً على حسابه بمنصّة “إكس” قائلاً: “إذا تمّ التشييع بحضور رسمي من أيّ مستوى كان فهذه ليست جنازة وحسب بل إعلان رسمي لنهاية لبنان!”.

ولا قول إلّا ما يقوله المؤمنون عندما بالبلاء يصابون: “إنّا لله وإنّا إليه راجعون”.

تابعنا عبر