كتبت كلير شكر في “نداء الوطن”:
ما من أحد يهتم لماهية السلع التي تريدها الحكومة العراقية من لبنان مقابل النفط الثقيل الذي ستؤمنه لتشغيل معامل الكهرباء التي تقارب لحظة العتمة الشاملة، وما اذا كانت مصلحة لبنان تقتضي ببيع هذه السلع مقابل دولارات طازجة بدلاً من “برمة العروس” التي سينتظرها كي يحصل على الفيول بعد استبداله بالزيت الثقيل، وعما اذا كان هناك طرف ثالث “مكتوم القيد” يستفيد من هذا الاتفاق…
ثمة سؤال واحد يختصر تلك القضية ويهمّ الناس: متى يصل الفيول الخاص بشركة كهرباء لبنان والناتج عن عملية المبادلة مع النفط العراقي، ترجمة للاتفاق بين البلدين الموقّع في 24 تموز الماضي والقاضي بـ”شراء مليون طن من الفيول الثقيل من دولة العراق لصالح مؤسسة كهرباء لبنان”، مقابل “خدمات استشارية واستشفائية”؟ وهل سيتحوّل هذا الاتفاق إلى خطوات عملانية تأتي بالفيول المنتظر؟
وكان البلدان وقّعا في نيسان الماضي اتفاقاً أولياً ينص على تأمين بغداد النفط للبنان مقابل تقديم لبنان الدعم في مجال الخدمات الطبية والاستشفائية، لا سيما عبر إرسال خبراء لبنانيين وفرق طبية متخصصة للمساعدة في إدارة منشآت طبية جديدة في العراق.
تجدر الإشارة إلى أن زيت الوقود الثقيل غير صالح للاستعمال مباشرة في معامل الطاقة اللبنانية، ولذلك ستلجأ السلطات اللبنانية إلى التزود بنوع آخر من الوقود من مزودين آخرين، يكون أكثر توافقاً مع المعامل اللبنانية. وعليه، لن يتم الدفع لهؤلاء المزودين بالعملة الصعبة، بل سيجري إعطاؤهم زيت الوقود العراقي في المقابل، مع العلم أنّ وزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال ريمون غجر أعلن أنّ لبنان ليس أول من يلجأ لذلك التبادل، مؤكداً أنّ “هناك شركات كثيرة ودولاً كثيرة تقوم بمثل هذا النوع من عمليات الاستبدال”.
ويفترض أن تغطي تلك الكمية ثلث حاجات مؤسسة كهرباء لبنان من الوقود لفترة معينة، حيث يمكن لمعامل الكهرباء أن تعطي خلال فترة أربعة أشهر حوالى تسع ساعات أو عشر ساعات من الكهرباء (يومياً) كحد أقصى، كما أوضح غجر.
هكذا، انتقل النقاش بين الجانبين، والذي عمل عليه بشكل خاص كل من رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب ومدير عام الأمن العام اللواء عباس ابراهيم، من النطاق القانوني إلى الترجمة العملانية.
ولأنه لا يمكن للمعامل اللبنانية استخدام النفط العراقي، تمّ الاتفاق على استبداله كون نسبة الكبريت في الفيول العراقي تصل إلى 3 في المئة، في حين أن لبنان يمنع استعمال الفيول الذي تتجاوز نسبة الكبريت فيه نسبة الواحد في المئة. ولذلك، فإن النفط الأسود العراقي سيستبدل بأي نوع فيول يحتاج إليه لبنان. ولكن لن يتم التعاقد مع شركة واحدة لتكرير النفط أو استبداله، بل سيتم التعامل مع كل شحنة على حدة، وفق الآلية المعتمدة راهناً، أي إجراء مناقصة خاصة بكل شحنة (سبوت كارغو) المعتمدة حالياً في وزارة الطاقة اللبنانية لشراء المشتقات النفطية، مع فارق وحيد أن العقود الجديدة ستتضمن بنداً يسمح بالدفع عن طريق الاستبدال.
فبدلاً من الإشارة إلى فتح اعتماد مستندي للشركة الفائزة بالمناقصة، يشار إلى استبدال الشحنات، على أن يُدفع الفارق، إما نقداً أو من خلال تخفيض حمولة الشحنة. وعلى سبيل المثال، إذا أطلقت وزارة الطاقة مناقصة لشراء 50 ألف طن فيول، وتبين أن السعر الفائز هو سعر “بلاتز” ( السعر العالمي للفيول) زائد “بريميوم” 70 دولاراً على سبيل المثال، وكان السعر الذي رست عليه المناقصة الشهرية لشركة “سومو” قد حدد سعر النفط العراقي “بلاتز” بزيادة 50 دولاراً، فيتحتّم على لبنان إما دفع 20 دولاراً عن كل طن، وإما استبدال الخمسين ألف طن فيول بكمية أكبر من النفط العراقي. هكذا، أعلنت وزارة الطاقة في 6 آب الماضي وعبر موقعها الالكتروني عن مناقصة لتأمين فيول grade A وgrade B وغاز اويل، بعد اجراء عملية استبدال بفيول عراقي ثقيل المحددة كميته بمليون طنّ، مقسّمة على 12 شهراً (حوالى 80 ألف طنّ شهرياً). وقد تقدمت إلى الآن خمس شركات فيما اثنتان منها وافقتا على الشروط المنصوص عليها في العقد الموقع مع الدولة العراقية، وقامت وزارة الطاقة، تبعاً للاتفاق بارسال ملفات هاتين الشركتين إلى العراق للحصول على موافقة وزارة المال العراقية وشركة “سومو”. وحين تصل الموافقة يتم ابلاغ الشركات المعنية كي يبدأ الجانب العراقي تسليم الشركة الفائزة بالمناقصة، اول شحنة كي يتم استبدالها بفيول مطابق لمواصفات معامل الكهرباء في لبنان بعد حسم أتعاب هذه الشركة وكلفة النقل. وفق المعنيين، فإنّ الشحنة الأولى قد تحتاج بعض الوقت كي يتمّ ارسالها على أن يصير تسليم بقية الشحنات أسرع.
في هذه الأثناء، لفت غجر، خلال جلسة المجلس الأعلى للدفاع، إلى أنّه “إذا توقّف الدعم عن المحروقات فالسعر يتحرّر ويصبح موحّداً، ونحن اليوم في مرحلة الذروة في الحاجة للكهرباء”، موضحاً أنّ “حاجتنا هي 3000 ميغاواط والقدرة الإنتاجيّة بحسب الفيول المتوفّر لا تتجاوز الـ750 ميغاواط”. ووفق المعلومات، فإنّ الكميات المتوفرة من الفيول المدعوم تكفي حتى منتصف شهر أيلول المقبل، ومن بعدها ستتوقف معامل الانتاج عن العمل اذا لم يصل الفيول العراقي.