شعار ناشطون

المواجهة القضائية والعسكرية: “التيار” على مفترق سياسي

27/01/23 06:54 am

<span dir="ltr">27/01/23 06:54 am</span>

كتبت هيام “القصيفي في الأخبار”:

في المبدأ، يصرّ التيار الوطني الحر على التحقيق في شأن انفجار المرفأ. وفي المبدأ، أيضاً، يحرص التيار على المؤسسات القضائية والعسكرية. لكن ما يحصل أخيراً يظهره وكأنه – على طريق الرئاسيات – يخوض معارك بجبهات مفتوحة من دون سقوف.

في مرحلة تجميد مشاركة الثنائي الشيعي في جلسات مجلس الوزراء في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، أطلّ رئيس الجمهورية ميشال عون من بكركي، في نيسان 2022، ليتهم الثنائي – من دون أن يسميه – بعرقلة التحقيق في انفجار المرفأ، وقال: «جميعكم تعلمون من هو المعرقل، ومن أوقف مجلس الوزراء. لماذا تسألون أسئلة تعرفون جوابها؟».

بنى عون، ومن ثم رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، سردية التيار في شأن انفجار المرفأ على ضرورة استكمال التحقيق، ولكن مع التمييز بينه وبين المطالبة الدائمة بإطلاق الموقوفين – ويعنيه منهم تحديداً المدير العام للجمارك بدري ضاهر. وما إن وقعت أمس المشكلة القضائية بوجوهها المختلفة، حتى سارع باسيل إلى الترحيب بإطلاق الموقوفين، مع كلمة «لكن» المشترطة ضرورة استكمال التحقيق لمعرفة مرتكبي الجريمة.

لكن خطاب التيار الذي سبق أن تعرض لردود فعل خلال الأشهر التي تلت الانفجار، لم يثر الصدى الإيجابي المطلوب في لحظة اختلطت فيها الوقائع القانونية مع الهرطقات القانونية والسياسية، ودخل لبنان في أزمة مفتوحة على احتمالات خطرة، لأن ما حصل أمس في وزارة العدل، سلّط الضوء على الدور الذي يؤديه وزراء التيار في مرحلة المناكفات السياسية، منذ انتهاء العهد وحتى ما بعد انعقاد جلسات مجلس الوزراء. فإذا كانت المشكلة في الوقائع كبيرة بين التيار وحزب الله، وإذا كانت قوى المعارضة تضع الحزب في مرمى الاتهام بوضع يده على الواقع السياسي من خلال إمساكه بورقة رئاسة الجمهورية وسعيه مع رئاسة الحكومة إلى عقد جلسات مجلس الوزراء، من دون اعتبار الشغور الرئاسي، يأتي أداء التيار وكأنه يغطي كل ما سبق بتقدمه إلى واجهة الحدث على أكثر من صعيد. علماً أن المعارضة لم توفر الثنائي باتهامه بتغطية ما يقوم به المدعي العام التمييزي غسان عويدات وعرقلة التحقيقات سابقاً في مرحلة طلب الاستماع إلى وزراء محسوبين على الثنائي.

قضائياً، ليست المرة الأولى التي يقال فيها إن المشكلة القضائية تُفتح مع أداء وزير العدل هنري خوري. يكفي أخيراً ما رافق توقيف وليم نون وتصرف جهاز أمن الدولة، ومسارعة بكركي وقوى المعارضة إلى الضغط لإطلاق نون تحت وطأة التلويح برد فعل عالي السقف. كما أن واقعة أمس، في وزارة العدل، كان وزير العدل أحد أطرافها كذلك، وكان يمكن تفاديها وسط تصاعد حدة المواجهة القضائية السياسية وتحرك عائلات الشهداء. أضف إلى ذلك ما جرى ليلة الإفراج عن الموقوفين بقرار من عويدات، وجرى تظهيره من جانب التيار كـ«انتصار فريق على فريق»، وإبراز الاحتفالية الفاقعة بخروج ضاهر بطريقة «استفزازية» كان يفترض بالتيار الوطني وباسيل تطويقها مسبقاً، وعدم تحويلها مناسبة لاستعراض القوة فيما أهالي شهداء المرفأ يبكون ضحاياهم.

وليست صدفة كذلك أن يقوم وزير الدفاع موريس سليم المحسوب على التيار الوطني بتصفية حسابات مع قائد الجيش على خلفية الرئاسيات المغطاة بقشرة من التدابير الإدارية، على مدى أسابيع من المناكفات. ليصبح تصويب التيار مختصراً حالياً بمعركة يقودها في مؤسستي القضاء والجيش، وكان يمكنه الاستغناء عن كلتيهما.

في حسابات التيار محاولة فرض إيقاعه الخاص منذ أن وقع الخلاف بينه وبين حزب الله. لكن الخلاف الذي لن يجد طريقه إلى حلول سريعة، بدأ يضيّق الخناق على التيار الذي لم يعد من مخرج له سوى سلوك طرق جانبية. فإذا كان خسر معركة عرقلة انعقاد مجلس الوزراء ولو كان محقاً فيها، وخسر أي احتضان من قوى المعارضة له، ولا حتى من بكركي التي لا تصنفه حليفاً، وخسر كذلك أي تعهد من حزب الله بالتخلي عن ترشيح «غير معلن رسمياً» لرئيس تيار المردة سليمان فرنجية ولا حتى بمنع انعقاد مجلس الوزراء، فكيف يمكن التعويض عن خسارات متتالية على طريق الرئاسيات. ما حصل قضائياً، وما قد يحصل لاحقاً في شأن القاضي طارق البيطار، وفي شكل أكثر أهمية وحضوراً من موضوع العلاقة بين وزير الدفاع وقائد الجيش، يكمن في أن ارتداده يمس أولاً وأخيراً عائلات ضحايا المرفأ، وثانياً صورة التيار أمام الديبلوماسية الغربية التي يحرص على علاقة جيدة معها، ويمس ثالثاً الشارع «المسيحي» الذي مهما كان التيار معادياً لنصفه على الأقل، يحسب له ألف اعتبار في قضية المرفأ تحديداً. والتيار الذي يدرك حساسية ما يحصل من ارتداد في هذا الشارع مبني على كثير من القضايا الشائكة الواقعة أخيراً والشعارات السياسية التي ترفع عند كل استحقاق، قد يكون أكثر من أي وقت مضى في حاجة إلى كثير من الهدوء في ركوب موجة الانجرار وراء عناوين جذابة على طريق الرئاسيات، لأن ما يجري لن يبقي للرئاسة أي معنى في ظل تفريغ كامل للمؤسسات.

تابعنا عبر