زياد عيتاني – اساس ميديا
اختار مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان في زمن الفتنة والإغراءات أن يكون غريباً في الناس كغربة الإسلام عندما بدأ غريباً وعندما سيعود كما قال النبيّ محمّد (ص) في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم: “بدأ الإسلام غريباً وسيعود كما بدأ غريباً”، وفسّره الشارحون بأنّ الأهواء المضلّة تكثر فيضلّ بها كثير من الناس ويبقى أهل الحقّ الذين هم على شريعة الإسلام غرباء في الناس لقلّتهم.
ثابتتان حدّدهما المفتي دريان ترسمان من جهة ضوابط الخطاب الديني والخطّة البيانية لرجال الدين والدعاة السُّنّة في لبنان، ومن جهة أخرى الرؤية الاستراتيجية للعمل الإسلامي التي صاغتها زيارة وفد المفتين للمملكة العربية السعودية:
1- لا للخضوع لأيّ هيمنة مهما كان شكلها.
2- لا استتباع لأيّ محور أو حزب أو جماعة.
تميّزت بالوضوح والحزم كلمة المفتي دريان أمام المؤتمر التاسع لوزراء الأوقاف والشؤون الإسلامية الذي استضافته المملكة العربية السعودية في مكّة المكرّمة، حيث قال مشدّداً: “أوّل ما نحرص عليه ألّا نخضع للاستتباع أو الاختراق بسبب الأوهام التي تنشأ عند البعض”. مع الإشارة إلى أنّ الكلمة في المؤتمر جاءت مباشرة بعد زيارة المفتين للمملكة.
بين بيان وكلمة من مدينة مكّة المكرّمة تختصر زيارة وفد الإفتاء والمفتين برئاسة المقتي دريان للمملكة العربية السعودية.
في البيان كانت الرسالة باتّجاه فلسطين، وأمّا في الكلمة التي ألقاها المفتي دريان في المؤتمر التاسع لوزراء الأوقاف والشؤون الإسلامية فكانت المعادلة الذهبية في جملة واحدة: “أوّل ما نحرص عليه ألا نخضع للاستتباع أو للاختراق بسبب الأوهام التي تنشأ إمّا لعدم كفاءة، وإمّا للاغراءات التي يتعرّض لها البعض”.
أربع خلاصات انتهت إليها زيارة المفتين للمملكة العربية السعودية حدّدت استراتيجية وضوابط الخطاب الديني
الخلاصات..
أربع خلاصات انتهت إليها زيارة المفتين للمملكة العربية السعودية حدّدت استراتيجية وضوابط الخطاب الديني والعمل الإسلامي للمشايخ وللمؤسّسات الأهلية الإسلامية في لبنان:
1- تأكيد المرجعية الوطنية لدار الفتوى ومفتي الجمهورية اللبنانية، وتحديداً بالنسبة لسُّنّة لبنان.
المفتي دريان
2- حرص المملكة وقيادتها على وحدة وتماسك سُنّة لبنان لأنّهما الضمانة لوحدة وتماسك اللبنانيين بكلّ طوائفهم ومذاهبهم، فكان الاستقبال للمفتي ومعه كلّ المفتين، أي الاستقبال لمؤسّسة الإفتاء برمّتها.
3- لا مشاريع ولا أجندات خاصة للمملكة العربية السعودية في لبنان. بل مشروع واحد هو الحفاظ على أمن وسلامة واستقرار وازدهار لبنان وتماسك مؤسّسات الدولة فيه.
4- إنّ موقف السعودية وسُنّة لبنان تجاه فلسطين وقضيّتها هو موقف واحد يقوم على التمسّك بحقّ الفلسطينيين بقيام دولتهم المستقلّة وعاصمتها القدس الشرقية وحقّهم بتحرير أرضهم من الاحتلال بعيداً عن أيّ أجندة خارجية أو محور إقليمي يحاول استغلال القضيّة لتحقيق مآربه.
المُفتون فتحوا الباب
يسجّل لزيارة وفد المفتين برئاسة دريان للمملكة العربية السعودية أنّها تفتح الباب السعودي على مصراعيه لأنّها الأولى بهذين الشكل والصفة منذ عام 2017. وتأتي لتنفي سلسلة من الشائعات والتدليس حول تخلّي السعودية عن لبنان واللبنانيين، وتحديداً عن سُنّة لبنان، فجاءت هذه الزيارة والصورة الجامعة للمفتي والمفتين في مكّة المكرّمة لتؤكّد أنّ المملكة ما تخلّت ولن تتخلّى، بل دائماً أبوابها مفتوحة للمؤسّسات المكوّنة بفعل إرادة الناخبين والمعبّرة عن تطلّعات بيئتها وقواعدها التي منحتها الثقة لتتكوّن في تلك المراكز. فالوفد الذي رافق المفتي دريان هو عبارة عن مفتين انتُخبوا بكلّ شفافية وتنافسية شجاعة في كلّ المناطق اللبنانية فاكتسبوا بذلك شرعية مؤسّساتية لا يمكن لأحد التشكُّك فيها.
ثابتتان حدّدهما المفتي دريان ترسمان من جهة ضوابط الخطاب الديني والخطّة البيانية لرجال الدين والدعاة السُّنّة في لبنان
من حاول إحباط الزيارة؟
ما كاد إعلان الزيارة ينتشر في وسائل الإعلام حتى بدأت الحملة على الزيارة سعياً إلى إفشالها وتفريغها من مضمونها، إن عبر تحميلها ما لا قدرة لها على تحمّله أو بعبارة صريحة “تكبير الحجر” تمهيداً لتعثّرها، أو عبر النظر إليها على أنّها مؤامرة حيكت بليلٍ ضدّ لبنان.
ثمّة فريق، ربّما عن حسن نيّة أطلق شائعة أنّ الأمير محمد بن سلمان وليّ عهد المملكة العربية السعودية سيستقبل مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان ومعه مُفتو المناطق، مبشّراً اللبنانيين بالمفاجآت الكبيرة. وفريق آخر تصحّ عليه تسمية “الحاقدين” صدّق عن سوء نيّة الفريق الأوّل وبنى عليه مؤامرة تسعى السعودية إليها ضدّ لبنان وفلسطين. فيما الحقيقة الواضحة منذ اللحظة الأولى التي لا لَبس فيها للمتابعين والمطّلعين على حقائق الأمور من مصادرها الأصلية وليس من بنات أفكارهم، أنّ زيارة المفتي ومعه المُفتون للسعودية هي زيارة دينية دعويّة متخصّصة بشؤون الإسلام والدعاة المسلمين إلى الدين الحنيف بدعوة من وزير الشؤون الدينية في السعودية. هي دعوة دعويّة غير فردية، ولا سياسة فيها عامة أو خاصة، ولا فيها تعليمات ولا توجيهات ولا أجندات، فما اعتادت السعودية على ذلك في الماضي ولا الحاضر.