كتبت هيام القصيفي في “الأخبار”:
مأزق رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل أنه لم يعد يملك ترف الوقت، وأن لا خطة «ب» لديه في حال عدم اتفاقه مع المعارضة التي تستغرب تأخره في إعلان دعمه الواضح لترشيح الوزير السابق جهاد أزعور.
يجزم المتحاورون مع حزب الله، من الحلفاء وغيرهم، أنهم لا يسمعون من الحزب سوى تمسكه بدعم ترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، من دون إشارة أو تلميح إلى أي اسم ثان يمكن أن يُفهم منه ضمناً أن الحزب تخلى عن فرنجية. ما يؤكده الحزب، بوضوح، رفضه المرشح جهاد أزعور. ما عدا ذلك ليست لديه خطة «ب» سوى الشغور.
بذلك، تصبح الكرة في ملعب المعارضة والتيار الوطني الحر، ويصبح السؤال: ما هي الخطة «ب» لهذا الفريق ومن هو الخيار الثاني في حال اصطدمت المفاوضات بحائط مسدود أو انتهت أولى جلسة الانتخاب بتعادل سلبي.
مشاركون في المفاوضات ومطلعون عليها، من طرفي المعارضة والتيار، يتحدثون عن عوائق تواجه الطرفين، لا سيما التيار الذي لم يخف نوابه انقسامهم حول خيارات المعركة الرئاسية كما ينتهجها رئيس التيار النائب جبران باسيل الذي لم يضع خطة «أ» رئاسياً كي ينتقل إلى الخطة «ب».
من العوائق المتداولة، الكلام لدى أصوات معارضة لتسمية أزعور عن العودة إلى الأوراق البيض، من طرف نواب مستقلين بعضهم طامح بالترشح وبأن يكون اسمه بديلاً اقتصادياً مقنعاً، وبعضهم كان أعطى موافقته على أزعور قبل أن يتريث في انتظار ما ستؤول إليه الصورة النهائية. علماً أن من بين هؤلاء من لا ينظر بارتياح إلى أن عدم ترشيح أزعور نفسه، حفاظاً على موقعه في البنك الدولي، وإلى سعيه لأن يكون مرشح تسوية وتوافق لا مرشح معركة، فيما الواقع الحالي مقسوم بين مرشح الثنائي الشيعي والمعارضين له. وثمة قلق أكبر من ألا يلتزم نواب الحزب التقدمي الاشتراكي بأزعور في نهاية المطاف، وأن يذهبوا إلى خيار الورقة البيضاء في حال تحديد موعد لجلسة انتخاب، وهو أمر مستبعد في ضوء بوانتاج الرئيس نبيه بري لفرنجية. ورغم أن رئيس الحزب وليد جنبلاط كان أول من طرح اسم أزعور ضمن لائحته الثلاثية، إلا أنه – رغم تنحيه عن رئاسة الحزب وإعطاء فرصة للنائب تيمور جنبلاط ليقود معركة الرئاسة – قد لا يصوّت له إذا لم يكن ضامناً لوصوله، في ظل يقينه بأن الأمور تتجه نحو تسوية، وتفضيله عدم خوض مواجهة مع رئيس المجلس من أجل اسم لن ينجح.
الأوراق البيض تعني أن حصيلة التصويت لأزعور لن تتخطى 50 صوتاً بالحد الأقصى، فيما كان الرقم المتداول بين 58 و59. وهذا يجعل أزعور نفسه متريثاً، لكن الأهم أنه يضع باسيل في موقع الحذر جداً من الإقدام على أي خطوة لتبنيه في شكل علني وواضح.
يخوض باسيل معركته داخل التيار ومع المعارضة. فمع نواب يعارضون إدارته لملف الرئاسة، بات واضحاً أنه ليس قادراً على إقناع هؤلاء بالتصويت لمرشح المعارضة، لا سيما أنهم يسجلون عليه أن كل ما فعله حتى الآن في الملف الرئاسي وصل إلى طريق مسدود. أما مع المعارضة، فلا يزال الاتفاق محكوماً بعامل عدم الثقة بينهما، إذ ينتظر كل منهما الآخر ليعلن صراحة تبنيه لمرشح واحد. وفي هذا السياق، يخشى باسيل تكرار سيناريو المراوحة حينها مع اسم أزعور بدلاً من اسم النائب ميشال معوض.
تكمن معركة باسيل داخل التيار وخارجه أنه سيكون أمام محك الحملة للترويج لاسم النائب إبراهيم كنعان الذي يحمله البطريرك مار بشارة بطرس الراعي مع أسماء أخرى إلى باريس. علماً أن كنعان يواجه معارضة داخل التيار من مؤيدي باسيل الذين ساءهم ورود اسمه في لائحة المطران أنطوان بو نجم، ولا يلاقي ترحيباً من مستقلين و«تغييريين» في ضوء علاقاته المالية والمصرفية من موقعه رئيساً للجنة المال والموازنة. وخلافاً لما يتردد، فإن القوات لم تبد قبولاً به، لتيقنها من رفض «التغييريين» والمستقلين له.
السؤال الذي يربك باسيل مع المعارضة هو عن اليوم التالي لسقوط المرشح أزعور سواء بفعل عامل الوقت والشغور أو المواجهة السلبية مع فرنجية. فباسيل «يضحي» بعلاقته مع حزب الله، في ضوء موقف الحزب الرافض كلياً لأزعور، لمصلحة الاتفاق مع المعارضة وهذا يفترض بالنسبة إليه، حكماً، أن يكون شريكاً في تسمية أي خيار آخر. وخشيته تكمن أن تكون ورقة القوات اللبنانية الحقيقية هي اسم قائد الجيش العماد جوزف عون، ما يضعه في مأزق رفضه مجدداً. علماً أن نواباً في التيار يميلون إلى هذا الخيار من دون مواربة. لكن باسيل يحاذر خوض مغامرة الوقوف في وجه حزب الله من دون ضمان شراكته في تسمية الخيار الثاني في أي تسوية. وهنا تصبح المفاضلة لديه، إلى من يقدم التضحية من أجل التسوية: إلى حزب الله أو السعودية أو المعارضة؟
في المقابل، لا تزال المعارضة تنتظر من باسيل كلاماً واضحاً. ما نقله عبر وسطاء عن تأييده لأزعور لم يترجم بعد إعلاناً واضحاً لا لبس فيه، رغم الوعود التي قدمها، والتي لم يكن ليفعل لولا تحرك نواب التيار المعارضين له، ويُحسب لهؤلاء أنهم سرّعوا خيارات باسيل. فقط عند إعلان باسيل بيان دعم ترشيح أزعور، يمكن أن تكر سبحة تأييد الترشيحات للأخير من القوات والكتائب و«التغييريين» والمستقلين. وحتى الآن، تتخطى حسابات الأصوات حكماً ما حصل عليه معوض، لأنه سيضاف إليهم نواب من السنة ومن التغييريين ومن تكتل لبنان القوي، كما تجزم المعارضة بحصولها على ضمانات من الاشتراكي.
يبقى أن المعارضة تخشى تذرع باسيل بمعارضة نواب في التيار لأزعور، لكنها تراهن على مظلة الرئيس ميشال عون التي ستمنع هؤلاء من الوقوف علانية في وجه باسيل. وتدرك المعارضة كذلك أن رفع عدد الأصوات المؤيدة لأزعور لا يعني أن الجلسة ستعقد. بل ستكون عذراً كافياً كي يمتنع بري عن تحديد موعد لها. إلا أن النتيجة الإيجابية أن المعارضة لن توحد جهودها مع التيار وتقدم مرشحاً مقابل مرشح الثنائي فحسب، بل ستعطل وصول فرنجية، وهذا هو الأهم بالنسبة إليها. أما ما ستقدمه لباسيل بعد التزامه خيار ترشيح أزعور، فليس مضموناً، لأن لا أحد يضع من اليوم حسابات المرحلة المقبلة إلا في ضوء التطورات اللاحقة، عبر تدخل خارجي متوقع لإبرام تسوية بحسب هوية المرشحين المقبولين.