كتب ناصر زيدان في “الأنباء الكويتية”:
بعيدا عن هموم التدقيق المالي الجنائي الذي ضخم وبدا كأنه مباراة لتسجيل الأهداف السياسية وتغطية على السبب الحقيقي للانهيار، وليس لحل الأزمة الخانقة التي يعيشها اللبنانيون، وبصرف النظر عن المآل التي سترسو عليه عملية تأليف الحكومة الجديدة المنتظرة، تنتشر مخاوف جديدة عند المواطنين اللبنانيين تعكسها لغة الشارع ووسائل التواصل الاجتماعي وبعض وسائل الإعلام المستقلة، وأبرز هذه المخاوف خشية كبيرة من نتاج سياسة الدولة عليهم، وعلى مصالحهم وعلى مستقبل أولادهم، وتبدو الثقة منعدمة في هذه الدولة، وبالغالبية الساحقة من الذين يتولون زمام الأمور فيها.
والدولة المنوط بها حماية الناس وحفظ حقوقهم والسهر على حياتهم ورعاية مصالحهم، تحولت في لبنان الى مصدر القلق، ومن هذه الدولة نبعت الخشية عند المواطنين على أعمالهم، وعلى جنى عمرهم، وربما على أمنهم أيضا، وهي برأيهم السبب في تدمير القيم الوطنية الخاصة التي كانوا يتمسكون بها، وهي قيم موروثة وفيها اعتزاز بمكانة لبنان المتقدمة بين أشقائه العرب وعلى المستوى الدولي العام، ويدعم هذا الاعتزاز الوطني مجموعة من المحطات المشرقة من التاريخ اللبناني على اعتبار أن لبنان كان يوصف بأنه سويسرا الشرق، وهو ملجأ للمضطهدين والمعذبين في العالم، وكان منبرا للقضايا التحررية العادلة ومستشفى للشرق برمته، ومدرسة وجامعة ومنتجعا بتصرف إخوانه العرب.
تراجعت مكانة الدولة في لبنان إلى الحدود الدنيا، ويقول بعضهم: بأنها تحولت إلى حامية لمصالح أحزاب ومجموعات لها أجندتها الخاصة، والدولة برأي هؤلاء، سرقت أموال اللبنانيين وجنى عمرهم، وعزلتهم عن إخوانهم العرب وعن أصدقائهم في العالم القادرين على مساعدتهم.
والقنوط الذي يشعر به المواطنون تجاه الدولة لا يحمل أية أعذار لما تسببت به منذ سبع سنوات على الأقل، حيث المصاعب التي واجهت لبنان، غالبا ما تواجه دولا أخرى، ولو كان لدى المسؤولين الحس الوطني الصادق، والقدرة على إدارة شؤون الدولة بعيدا عن الحسابات الشخصية والفئوية، لكانوا قادرين على مواجهة التحديات الاستثنائية التي فرضت على لبنان، خصوصا منذ اندلاع الأحداث في سورية في العام 2011، ولكانت قادرة على تأمين المرافق الخدماتية لهم – مثل الكهرباء – من دون اللجوء الى الاستدانة بالعملات الصعبة وبفوائد خيالية، ومن دون صرف هذه الديون عشوائيا لتغطية عجز الموازنة.
٭ ما أهم دوافع الخوف عند اللبنانيين من دور دولتهم؟أولا: لعدم وجود ثقة باستقرار النظام السياسي الذي أرساه اتفاق الطائف، وقد أدخلت عليه ممارسات وأعراف كبلت مؤسسات الدولة الدستورية، ومن هذه الممارسات، الفيتو التعطيلي المستجد عند كل استحقاق، مثل انتخاب رئيس جمهورية جديد أو عند تشكيل حكومة جديدة، وغالبا ما يبنى الفيتو على خلفيات مرتبطة بسياسات خارجية، وأحيانا بحجج ميثاقية انتقائية غير مقنعة.
ثانيا: لأن الدولة استدانت أموال الناس المودعة في البنوك، بتواطؤ مع هذه البنوك ومصرف لبنان، او بالضغط عليهم، وصرفتها في أبواب معظمها غير مُجدٍ، وهي اليوم تمتنع عن إعادة هذه الأموال للمصارف، والمصارف تحجب حقوق الناس المؤتمنة عليها.
ولا يمكن تصور مدى الهلع الذي يسببه هذا الأمر عند المواطنين الذين فقدوا الثقة بأي أمان اجتماعي.
ثالثا: يخاف المواطنون من هذا الاستهتار الواسع عند الفئة المتحكمة بقرار الدولة، وهؤلاء يديرونها بما يخدم مصالحهم وارتباطاتهم الخارجية، ولإبعاد شبهات الفساد الدامغة عنهم، من خلال مسرحية التدقيق الجنائي التي لن يكتب لها النجاح، بينما القوانين اللبنانية – ولكن بقضاء مستقل- تتكفل التحقيق والاقتصاص من المرتكبين أيا كان موقعهم.
كيف مثلاً لدولة بلغ مجموع صرفياتها خلال عشر سنوات 133 مليار دولار، أن تدفع منهم 62 ملياراً لوزارة الطاقة فقط، لصرفها على الكهرباء وهي غير متوافرة، وعلى إقامة سدود فارغة لم تنجح في تخزين المياه؟