كتبت ليلى دندشي
أصابت التطورات الكمبيوترية أفلام الرسوم المتحركة بزلزال بعيد الاثر، فالكمبيوتر يغني حاليا عن إستديو كامل للرسوم المتحركة ،حيث يتيح الكم الهائل من اللقطات البينية، ويمكّن من متابعة الصور بالتزامن مع الموسيقى والصوت والتأثيرات اللازمة لها، بل ويمكن من تحويل الصور المسطحة التي إعتدناها إلى أشكال مجسمة، وكل ذلك بتكاليف أقل بما لا يقاس مقارنة بما كانت عليه الحال قبل دخوله عالم الرسوم المتحركة. وهذا تطور مهم مع الحاجة المتنامية إلى أن يحمل ما يشاهده أطفالنا ما يفتح أمامهم آفاق المستقبل، ويدفع بهم إلى الأمام بعيدا عن الإتجاهات التجارية والتقنية المغلوطة الشائعة في الإنتاج الأجنبي.
والمسألة هنا لا تقف عند تطور تقنيات صناعة السينما، فبالإضافة إلى إمكان إيجاد ممثلين إفتراضيين وعوالم ومدن وأزمنة إفتراضية، فإن هذه الطريقة في صناعة الأفلام يمكن أن توفر، نظريا، أعلى درجات الحرية للمخرج للتحكم في كل شيىء يريد إظهاره على الشاشة. وربما يفتح ذلك الباب للتعرض لمواضيع يصعب تصويرها في السينما حيث تتضمن خيالات علمية وفنتازية صعبة أو عنفا متزايدا إعتمادا على ممثلين لا وجود حقيقيا لهم وبالتالي لا يهمهم اللوم أو الخوف على صورتهم الإعلامية، وقد تصبح مشاهد العنف أكثر تقبلا من قِبل المشاهدين والنقاد، عندما يُدرك الجميع أن من يؤديها ليسوا بشرا حقيقيين.
إننا نشهد مولد إمكانات تفتح آفاقا مهمة أمام صناعة الأفلام الروائية بالإعتماد على الكمبيوتر بصورة كلية. بالطبع لن تختفي السينما التقليدية أو يختفي نظام النجوم أو تغيب الشركات والإستوديوهات الكبيرة، لكن المجال سيتسع لنوع جديد من السينما مثل ما نلحظ حاليا إمكان إستبدال عازف واحد جالس أمام لوحة مفاتيح بفرقة موسيقية كاملة، وقد تقرب هذه الإنجازات التقنية السينما إلى مفهوم الصناعة أكثر من السابق.
لكن يظل في النهاية ما هو أهم من كل الإنجازات التقنية والوسائل التعبيرية ما يضفي المعنى والجمال عليها، فالفنان هو صاحب الرؤية وقدرته على تحويل مزيج التقنية والتجربة والخيال إلى “معرفة ممتعة” للبشر.
إن عالم “والت ديزني” المكتظ بالحيوانات مثل “توم” و”جيري” وباباي وبطوط وكاسبير إضافة إلى عوالم علي بابا والأربعين حرامي والأميرة النائمة، علاء الدين والفانوس السحري، مغامرات تان تان، قد لا تتكرر مرة ثانية، فعالم ديزني حاليا يقدم أناسا متخلفين ممن يعيشون في الريف أو يسكنون أفريقيا وأطراف البرازيل أو يتحدرون من حضارات قديمة.
والملاحظ أن أبناء ذلك الريف كلهم من الذكور وينتمون إلى مختلف العناصر العرقية سود وصفر وسمر ويستخدمون ادواتا متقدمة أحيانا لمجرد اللعب. ولأن بلاد هؤلاء منبع لا ينضب لثروات لا يعرفون كيف يستفيدون منها، فإن ذلك كله يفتح شهية أقوام أخرى في عالم البرابرة. في حين أن أبناء الحضارات القديمة يتمتعون بسلطان مطلق ويرفهون عن أنفسهم بالغناء والرقص، ويقدمون ثروات بلادهم للأجانب راضين، الأمر الذي يشعر فيه المتابع بشيىء مستعصي على الفهم.
وفي قصص الأطفال الحديثة تبدو صورة العربي كرجل اسمر يعمل في الممنوعات والسوق السوداء ويتاجر باشرطة وأقراص الكمبيوتر بطريقة غير شرعية حاصدا مبالغ خرافية، ويقف دائما أمام النادي الليلي الذي يملكه والسُبّحة لا تفارق يده.
وبالمناسبة فإن فيلم “كاظم” على سبيل المثال يتماشى مضمونه مع مضمون أفلام كثيرة مثل “في الجيش” الذي يصور جنود الإحتياط الأميركيين يؤدبون بدو الصحراء ويحرضون سلاح الجو الأميركي على إبادتهم من على وجه الأرض.
لقد ظلت هوليوود على مدى أكثر من نصف قرن تقدم الهندي الأحمر كمتوحش بدائي شرير يستحق القتل، وعلى ما يبدو يرى القيمون على “عالم ديزني” أنه ليس هناك مدعاة إلى الكف عن فعل الخير وتخليص العالم من البدائيين الاشرار بكل أجناسهم.
ولا جدال في أن المجتمع العربي يحفل كغيره من المجتمعات بالخير والشر، لكن المجتمع ذا البعد الواحد ليس موجودا في عالمنا، وهذا ما يجب أن تعكسه الأعمال الفنية، وقد لا يختلف إثنان حول ضرورة مواجهة ديزني مواجهة عقلانية بالحوار حول خطورة تضليل الأطفال بتقديم أفكار وصور ومعلومات خاطئة، عن شعوب يجهلون عنها كل شيىء.
وبالطبع لا يحتاج الأمر إلى أفلام ترد على ديزني قدر ما يحتاج ان يحمل ما يشاهده أطفالنا ما يفتح أمامهم آفاق المستقبل، ويدفع بهم إل الأمام. لكن يبدو أن تكويننا النفسي قد إستنام عند مرحلة بعينها يستريح فيها إلى الشكوى والشجب.
نشكو من قصورنا ونشجب الهيمنة والهوية المهددة، بينما الإمكانات الحديثة نفسها تمكننا من تجاوز الشكوى والشجب وتجعل من اليسير علينا التحول إلى الفعل، فالتقنيات الكمبيوترية إياها جعلت بالإمكان صنع أفلام الكرتون – مثلا – بواحد في المئة من الإمكانات التي كانت تحتاجها من قبل، مما أتاح الفرصة أمام الفقراء، ربما للمرة الأولى لتقديم إبداع حقيقي يساهم في نشر ما يصنع هوية حقة، ما دامت الإرادة توافرت وتوافر العقل.