«أغنى إنسان في العالم ليس من يملك المال، بل من يملك الصحة وراحة البال» مقولة اعتدنا على سماعها، ولكن في لبنان من لا يملك المال لا يملك الصحة، بعدما تحول دخول المستشفى رفاهاً لا يقدر عليه إلا الاغنياء. أما الفقراء فيتأرجحون بين الموت والحياة. ومنذ بدء الأزمة في لبنان، لم نرَ أي خطة جدية رغم كل التحذيرات التي أطلقها المعنيون في هذا القطاع. فمن ينقذ القطاع الصحي في لبنان؟
الى جانب فواتير الاستشفاء الباهظة، يعاني لبنان اليوم من كارثة صحية بعدما أدت الأزمة الاقتصادية فيه إلى موجة هجرة جماعية لآلاف الأطباء والممرضين بحثاً عمن يقدر أتعابهم وخبراتهم. هذا البلد الذي لطالما كان مستشفى العالم العربي، يكاد أن يصبح اليوم بدون أطباء وممرضين يقدمون الخدمات الطبية الأساسية للمرضى. ويشير نقيب المستشفيات الخاصة سليمان هارون إلى أن «نسبة الإشغال في المستشفيات انخفضت اليوم الى 50 بالمئة، وواحد من أبرز الأسباب هو النقص في الطاقم الطبي والأطباء. ويتحمل المرضى استهتار الحكام في بلادي الذين أوصلوا الشعب اللبناني الى هذه الحالة من الذّل والفقر والتعتير».
القطاع يلفظ أنفاسه الأخيرة
ويقول هارون:» هناك عدد من المستشفيات لم تعد قادرة على الصمود، منها من اتجهت الى نقل ملكيتها كي لا تقفل أبوابها. وذلك لعدم قدرتها على مواجهة الصعوبات المادية. وأخرى مهددة بالإقفال، لأن الأزمة الإقتصادية التي يمر بها لبنان باتت أكبر من قدرة المستشفيات على الاستمرار. عدّة تحديات ومشاكل تواجهها المستشفيات اليوم أولاً: انخفاض نسبة الإشغال إلى حدود الـ50 بالمئة بسبب عدم قدرة المرضى على تحمّل أي فروقات اضافية لدخول المستشفى، أضف الى ذلك هجرة الطقم الطبي والأطباء. ثانياً: إن مصاريف المستشفيات أصبحت تفوق إيراداتها، وبالرغم من الفروقات التي تتقاضاها من المرضى، فهي تعاني اليوم من صعوبات مالية عدّة لا سيما لجهة تأمين الأموال النقدية وما يفرضه مستوردو الأدوية والمستلزمات الطبية والتي لم تعد مدعومة، وكذلك إرتفاع أسعار المحروقات التي ترتفع بشكل يومي وتدفع بالدولار الأميركي النقدي، إضافة الى كلفة الأجور التي تزيد تقريباً كل شهر. كل هذه المشاكل تهدد القطاع الاستشفائي في لبنان، ولا يوجد أي حل مضمون لانتشال القطاع من أزمته رغم كل الصرخات والتحذيرات، بل بقيت الأمور على حالها من دون معالجة، والوضع لا يبشر بالخير».
الجهات الضامنة
ويضيف هارون: «بالنسبة لبوالص التأمين بالفريش، لا يتعرف المريض على أي فروقات، حيث تقوم شركة التأمين بتحويل الأموال مباشرة الى حسابات المستشفى بالفريش دولار، وذلك بعدما أجرينا بعض الحسومات لشركات التأمين لتتمكن من تقاضيها فريش من زبائنها ، وأصبحت التعرفة أقل مما كانت عليه قبل الأزمة». ويشير أحد الوسطاء في شركات التأمين أنه «اليوم وبالنسبة لبوالص التأمين على الصحة، 90 بالمئة من شركات التأمين اتجهت نحو الفريش وذلك كي لا يتعرف المؤمَّن على فروقات اضافية. أما بالنسبة لأسعار البوالص، فهي انخفضت ما بين 20 الى 40 بالمئة من قيمة العقود السابقة، وذلك لأن المستشفيات هي بدورها أيضاً خفضت أسعارها». ويستطرد هارون:» أما بالنسبة للجهات الضامنة الاخرى، كالضمان الاجتماعي وتعاونية موظفي الدولة، فما زال عدد من المرضى يتوجهون اليها، ولكنهم يتحملون فروقات كبيرة، لأن الضمان ما زال يسدد الفواتير على أساس الـ 1500 ليرة للدولار الواحد، أما بالنسبة لتعاونية موظفي الدولة، فهى تسدد فواتيرها على أساس 6000 ليرة للدولار الواحد، ولكنها لا تزال غير كافية لسداد فروقات الإستشفاء، فعلى أرض الواقع وصل الدولار الى 30000 ليرة».
الإنهيار محتّم بغياب أي علاج
ويختم هارون: «إن الأزمة المالية التي يمر بها لبنان ستفرض نفسها على القطاع الاستشفائي في لبنان. فالمستشفيات مهددة بالانهيار كونها جزءاً من اقتصاد هذا البلد. وأتوقع أن عدداً كبيراً من المستشفيات سينهار بعد مدة ليست بطويلة. وسنرى الدولة عاجزة عن فعل أي شي.
ما ينقص لبنان اليوم هو خطة شاملة ومدروسة تنهض بكل القطاعات معاً. فالمواطن يدفع الثمن، ولا إمكانية لدى المستشفيات لتأمين العلاجات اللازمة للمريض في كل الأوقات».
إذاً هناك عدد من المستشفيات مهدد بالإقفال اذا بقي الوضع على حاله. فبعض المستشفيات مثل «القرطباوي» و»سان شارل» تعاني من أزمة مالية خانقة، وقد باتت في عهدة مستشفى «أوتيل ديو». فمن هو المسؤول؟ وماذا ينتظرون بعد؟ هل ينتظرون المساعدات المالية الخارجية لإنقاذ قطاع بهذه الأهمية؟ نعم لقد أصبح الموت أهون من أن يبتلى المواطن بمرض يضعه بين أيدي المستشفيات.