
كتب مسعود معلوف في “الجمهورية”:
تشهد العلاقات بين وروسيا والولايات المتحدة تدهوراً مطرداً منذ عام 2014، عندما وقّعت أوكرانيا اتفاقية الشراكة مع الإتحاد الأوروبي في خطوة للإنضمام لاحقاً انضماماً تاماً للإتحاد، أسوة بما فعلته قبلها دول من الإتحاد السوفياتي المنحل مثل جمهوريات البلطيق الثلاث وبولندا.
كان سبق ذلك في أوكرانيا تظاهرات واضطرابات في ما عُرف بثورة «اورومايدان» التي أدّت إلى هروب رئيس البلاد آنذاك بيترو بوروتشينكو الى روسيا، ثم احتلال روسيا لشبه جزيرة القرم التي هي جزء من أوكرانيا في البحر الأسود، كما حصلت حالات تمرّد وانفصال لمنطقتين في شرق وجنوب شرق أوكرانيا، علماً أنّ نحو 38% من سكان هاتين المنطقتين هم من أصول روسية ولغتهم الأم هي الروسية.
على أثر هذه الأحداث والدعم الروسي للإنفصاليين، قرّر الرئيس الأميركي آنذاك باراك أوباما فرض عقوبات على روسيا شملت قيوداً على السفر الى الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي لعدد من الشخصيات الروسية من رسميين وآخرين مقرّبين من الرئيس بوتين وذلك بالإتفاق مع الإتحاد الأوروبي، وقد أتبع أوباما ذلك بعقوبات إضافية عام 2016 قبيل نهاية ولايته تمّ بموجبها طرد 35 ديبلوماسياً روسياً من الولايات المتحدة، وكان ذلك رداً على اتهام روسيا بالتدخّل في الإنتخابات الرئاسية الأميركية دعماً للمرشح دونالد ترامب.
هذه العقوبات الأميركية قابلتها مباشرة عقوبات روسية مماثلة، قضت بمنع سفر شخصيات أميركية الى روسيا وطرد ديبلوماسيين أميركيين.
بعد تسلّم ترامب الرئاسة في مطلع العام 2017، ومع أنّ الرئيس ترامب كانت علاقته جيدة مع الرئيس الروسي بوتين، إلّا أنّ العقوبات على روسيا توالت عبر قرارات تضييق على عشرات الشخصيات والشركات الروسية في فترات متتالية، كما تمّ طرد 48 موظف مخابرات في السفارة الروسية في واشنطن و12 موظف مخابرات في البعثة الروسية لدى الأمم المتحدة في نيويورك في شهر آذار 2018.
هذه العقوبات الأميركية المتلاحقة كانت تقابلها روسيا مباشرة بعقوبات مماثلة، هذا مع العلم أنّ الرئيس ترامب كان يتجنّب كثيراً انتقاد الرئيس بوتين، لدرجة أنّه دافع عنه في المؤتمر الصحفي الذي عقده الرئيسان بعد لقائهما في مدينة هلسينكي عام 2017، عندما صرّح ترامب أمام الجميع أنّ بوتين أكّد له أنّ روسيا لم تتدخّل في انتخابات الرئاسة الأميركية عام 2016، وانّه يصدّق بوتين رغم التقارير التي وردته من أجهزة المخابرات الأميركية التي تؤكّد التدخّل الروسي.
مع بدء الحملة الإنتخابية الرئاسية الأخيرة وترشح جو بايدن، ركّز هذا الأخير على انتقاد سياسة ترامب تجاه روسيا وتهاونه مع بوتين واعداً أنّه، في حال انتخابه، سيكون أكثر قساوة مع روسيا، خصوصاً في موضوع حقوق الإنسان. كما اتهم الأجهزة الروسية بمحاولة قتل المعارض الروسي ألكسي نافالني عبر تسميمه، واعداً أيضاً بفرض عقوبات إضافية على روسيا لخرقها الكترونياً إدارات أميركية مختلفة، بما فيها إدارات أمنية، ولاستمرارها باحتلال شبه جزيرة القرم ولتقديم الدعم للإنفصاليين في أوكرانيا.
بعد دخوله البيت الأبيض إثر فوزه في الإنتخابات، وتنفيذًا لوعوده الإنتخابية، لم يتأخّر بايدن في زيادة وتيرة انتقاده لأخصام الولايات المتحدة مثل الصين وروسيا، ساعياً إلى إظهار عزم وصرامة في تعاطيه مع الأخصام، خصوصاً بعد أن اتهمه ترامب، أثناء الحملة الإنتخابية، بالضعف وبعدم تمكنه من مجابهة أعداء أميركا، لدرجة انّه، رداً على سؤال احد الصحافيين في مقابلة تلفزيونية، قال انّ بوتين مجرم بسبب ما فعله مع المعارض نافالني.
التأزّم في العلاقات مع روسيا ازداد مع قرار بوتين نشر قوات على الحدود الروسية الأوكرانية، وإدخال المزيد من البوارج الحربية الى البحر الأسود، وذلك بحجة القيام بتمارين للتأكّد من الجهوزية لمواجهة أية احتمالات. قابل بايدن ذلك بتأكيده على التزام الولايات المتحدة حماية أوكرانيا من أي اعتداء روسي، وإعلانه قراره إرسال بارجتين حربيتين الى البحر الأسود، كذلك قرّرت بريطانيا إرسال بوارج حربية الى هذه المنطقة، هذا مع العلم أنّ بايدن يعزز التحالف مع دول الإتحاد الأوروبي وينسّق معها في مواجهة روسيا.
في إطار هذا التحالف والتنسيق بين الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي، حصلت أخيراً عمليات طرد متزامنة لديبلوماسيين روس من واشنطن (10) ومن تشيكيا (18) ومن بولندا (3). وبالطبع، فقد ردّت روسيا على ذلك بإجراءات مماثلة. كذلك طردت روسيا القنصل الأوكراني في مدينة سان بيترسبورغ، فردّت أوكرانيا بطرد ديبلوماسي روسي من العاصمة كييف.
وأثناء إلقاء خطابه السنوي عن «حالة الأمة» بتاريخ 21 الجاري، وجّه بوتين تحذيراً قوياً بأنّ موسكو ستردّ بقساوة وبسرعة وبصورة غير متناسبة على كل من يتجاوز الخطوط الحمر، من دون أن يحدّد ما هي هذه الخطوط. والواضح أنّ هذا التنبيه موجّه بصورة خاصة الى الولايات المتحدة من جهة، وإلى أوكرانيا من جهة ثانية، في حال كانت تفكر بالهجوم على المنطقتين المنفصلتين في شرق وجنوب شرق البلاد. وفي الخطاب نفسه، أشاد بوتين بتعزيز الإستثمارات الروسية في المجالات العسكرية وخصوصاً في مجال الصواريخ العابرة للقارات. ولكنه، وفي مسعى لعدم إغلاق الباب بالكامل أمام الحلول الديبلوماسية، أكّد في الوقت نفسه أنّ بلاده تريد السلام والإستمرار في اتفاقات الحدّ من انتشار الأسلحة.